حال الرياضة السعودية: التعصب وتأثيره على تطور اللعبة ودور الإعلاميين المتعصبين


حال الرياضة السعودية: التعصب وتأثيره على تطور اللعبة ودور الإعلاميين المتعصبين


تعد الرياضة السعودية جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المملكة، وتستحوذ على اهتمام كبير من الشارع السعودي، سواء على صعيد الأندية الرياضية أو المنتخبات الوطنية. على مدار العقود الماضية، شهدت الرياضة السعودية تطورًا ملحوظًا في مختلف الألعاب، لا سيما كرة القدم، التي تعد الأكثر جماهيرية في المملكة. ولكن، مع هذا التطور، ظهرت تحديات عدة تهدد مسار النمو الرياضي في البلاد، لعل أبرزها ظاهرة التعصب الرياضي الذي بدأ يطفو على السطح بشكل أكبر في السنوات الأخيرة.
التعصب الرياضي هو أحد الظواهر التي تهدد نمو وتطور الرياضة في أي مجتمع، والسعودية ليست استثناء. إن هذا التعصب يتجلى في صورة مشاحنات وتوترات بين جماهير الأندية، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى التصعيد العاطفي الذي ينعكس بشكل سلبي على أداء اللاعبين والجهاز الفني والإداري. إذ يصبح الهدف لدى الكثيرين ليس تشجيع فرقهم بحب وولاء، بل الانتصار بأي ثمن على الأندية الأخرى، حتى وإن كان ذلك على حساب الروح الرياضية.

هذه الظاهرة تتغذى في جزء كبير منها على الإعلام الرياضي الذي بات يؤجج نار التعصب بدلًا من أن يكون أداة لتوجيه الجماهير نحو تقبل الآخر واحترام المنافس. إن الإعلاميين المتعصبين لا يترددون في تغذية هذا الجو المشحون من خلال التصريحات النارية والتحليلات المغرضة التي تركز على سلبيات الفرق المنافسة وتقلل من شأن إنجازاتها. ومن خلال منصاتهم الإعلامية، سواء كانت صحفية أو تلفزيونية أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يرسخ هؤلاء الإعلاميون ثقافة العداء بين الأندية ويحولون المباريات إلى صراعات شخصية بدلاً من أن تكون منافسات رياضية.
لقد أضحى دور الإعلام في السعودية لا يقتصر فقط على نقل الأخبار الرياضية، بل أصبح جزءًا لا يتجزأ من تشكيل الوعي الجماهيري وتوجيه مشاعر الجمهور. ورغم أن الإعلام ينبغي أن يكون صوتًا للحيادية والتوازن، إلا أن هناك من الإعلاميين من يغلبون ميولهم الشخصية أو انتماءاتهم لأندية معينة على واجبهم المهني.

عندما يتبنى الإعلامي موقفًا متعصبًا، فإنه لا يعزز فقط الانقسام بين جماهير الأندية، بل يزيد من حدة التوترات داخل الملاعب وفي مدرجات الملاعب. هذه التوترات تتسبب في الكثير من الأحيان في حدوث أعمال شغب أو احتجاجات جماهيرية على فرقهم أو الحكام، وهذا ما ينعكس سلبًا على سمعة الرياضة في المملكة وعلى تطورها.
إذا استمر التعصب الرياضي في النمو بنفس الوتيرة، فإن ذلك سيؤثر حتماً على تطوير الرياضة السعودية. ففي ظل هذه الأجواء المتوترة، يصبح من الصعب على الأندية والمنتخبات التركيز على تحسين الأداء وتقديم المستوى المطلوب. فالتركيز ينصرف إلى المشاحنات وتبادل الاتهامات بدلاً من الانشغال بتطوير القدرات الفنية والبدنية للاعبين.

أضف إلى ذلك أن الأجواء المتعصبة تؤثر سلبًا على اللاعبين أنفسهم. فبدلاً من أن يكونوا مرتاحين للعب والتعبير عن مواهبهم في بيئة رياضية صحية، يصبحون عُرضة للضغوط النفسية الناتجة عن تصرفات الجماهير أو الانتقادات الحادة التي يوجهها الإعلام المتعصب. وهذا ينعكس على أدائهم ويؤدي إلى تراجع المستوى الفني بشكل عام.
من أجل الخروج من هذه الدائرة المفرغة من التعصب الرياضي، لا بد من اتباع عدة خطوات هامة:
1. دور الإعلام في التصحيح: يجب على الإعلاميين الرياضيين أن يتخذوا موقفًا مسؤولًا في معالجة قضايا التعصب. إن توجيه الجمهور نحو الوعي الرياضي والتشجيع على المنافسة الشريفة قد يسهم بشكل كبير في تقليل حدة التوترات. لا بد من أن يكون الإعلام منصة للروح الرياضية وليس للعداوات الشخصية بين الأندية.
2. التوجيه التربوي والتثقيفي: من الضروري أن يتم التوجه نحو تعزيز ثقافة الرياضة والاحترام المتبادل منذ الصغر في المدارس والجامعات. فالرياضة ليست فقط ساحة للتنافس، بل هي وسيلة لبناء شخصيات قوية قادرة على تقبل الآخر.
3. التشديد على القوانين واللوائح: لا بد من أن تكون هناك رقابة صارمة على السلوكيات المتعصبة داخل الملاعب. فرض عقوبات على التصرفات غير الرياضية من قبل الجماهير والإعلاميين سيساعد على تهدئة الأجواء وخلق بيئة رياضية صحية.
4. تعزيز المسؤولية الاجتماعية للأندية واللاعبين: على الأندية أن تأخذ دورها في توجيه جماهيرها نحو الروح الرياضية، من خلال تنظيم حملات توعية تؤكد على أهمية الاحترام المتبادل في المنافسات.
في الختام، يمكن القول إن الرياضة السعودية تمر بفترة من التحديات التي تستدعي وقفة جادة من كافة الأطراف المعنية، سواء كانت الأندية أو الإعلام أو الجمهور. التعصب الرياضي ظاهرة سلبية تؤثر على تطور الرياضة وتعرقل الوصول إلى الاحترافية المنشودة. ولكن بتعاون الجميع، يمكن تحويل هذا التحدي إلى فرصة للنمو والتطور، مما يضمن أن تظل الرياضة السعودية حافلة بالإنجازات والنجاحات التي تليق بتاريخ المملكة.