رعاف قلم في قاعة صمت .


رعاف قلم في قاعة صمت .



للكاتب : علي بن سعد الفريدي .

الساعة السابعة صباحا ، يرن جهاز الجرس المدرسي بخشونته المعهودة بصوت مثنى مقنن ، وربما زادت رناته بأصبع بشر ؛ تنويها بدخول القاعات لتوزع أوراق الأسئلة ؛ قياسا لجهد فصل مضى ، يدخل الطلاب القاعات ويتوزع ملاحظوها بين جنباتها مراقبة وتنظيما وتحضيرا وتهئية وتهدئة . هنا يسيطر الصمت في المكان، وبعض الصمت طحن مشاعر وأفكار لو تتأمل ، بدأ القلم يرعف مداده بين أنامل الطلبة بحثا عن المستقبل والنجاح ، والتوفيق والتفوق بيد الله سبحانه ، وأسبابهما مأمورون بها وفق سنن شرعية وكونية ، يتحرك الملاحظون بحركة انسيابية تدحج معها العين هنا ، وترى هناك ، وتبصر هنالك ، الأقلام لها صرير وصرصرة ، والرؤوس خاشعة منحنية ؛ حيث الذاكرة تعصر ، وتحلب في ماعون المستقبل . وربما شاهدت ارتفاع عين لأعلى ؛ استدعاء لصوت إجابة مراد قد خزن أثناء مذاكرة ليل في سابق زمن آنف ، أو صورة محفوظة في ذهنية متعبة متشتتة نتيجة سهر وعدمية إفطار ، يبدأ سلوك تمرد هنا من قبل طالب عصبي المزاج ، حاد الطبع ، قلق الروح ، ضعيف المبدأ ، محاولا الغش بطريقة طقطقة الرقبة يمنة ويسرة ، الهادفة لاقتناص إجابة صاحب الكرسي الخلفي الغافل ، فينتبه الملاحظ لذلك وينبه على سلوكه المشين فيبادله الطالب ببعض كليمات غير مؤدبة بصوت هامس ، تدرك فيها الخبث والدناءة من خلال وجوه من يجاوره في كرسيه ، لكن التغافل عن كلامه شجاعة ، وتقدير موقف ، واحترام رجال خلفه ، فلربما احترمت قبائل وعوائل وحمائل لأجل رجل ذاع صيته منهم من جودة جوده ، ومبادئ رجولته ومنهجية حياته المؤدبة أدبا لانظير له ، يمضي الوقت رويدا رويدا ، فتكثر النحنحة هنا وهناك ممايستدعي إلى انتباه أكثر بهدوء نفس ، وطول بال ، وقوة تركيز ، وجمال تعاون ، فالنحنحة صوتها مريب ، إذ تعني حركة استدعاء لوحي شيطاني كله شر ، وأبطاله بشر ( الغش ) ، يتحامل الملاحظ التربوي على نفسه فيذكر هؤلاء قائلا :( من غش ليس منا ) ( من غشنا ليس منا ) ، فيبادله طالب مكثار لمسح شواربه وفتلها فتلا هادئا ، بكل جرأة وقحة ، وعفن قول ، هذا ليس بغش يا أستاذ ! ، إنها مساعدة مساعدة ، بضحكة فيها برود مشاعر ، وسبابة أصبع باتت تفرك أرنبة أنفه لتحافظ على مابقي من حرارة مبدأ ودين ، حينها تدرك صعوبة التعامل فتتصبر تحجيما لدوائر الشر التى ترمى بحجر كلامي لتتوسع دوائرها ، فهذا مبادئه مغيبة ، والإيمان عنده بدأ ينقص ، أو هو ناقص قبل دخول القاعة أصلا بناء على ماتحمله جيوبه من برشام خيانة ، ضاعت أوقات في صياغته وتصويره، بمهارة فائقة ، لكنها مهارة رذيلة لا فضيلة ،فهي في دروب الشر وجحوره ، لافي دروب الخير وفضاءاته ، يشتد النفس شهيقا وزفيرا ، وربما فحيحا ، فتتذكر فحيح الأفعى ، فتتعوذ بالله من شر ماخلق ، تمضي عقارب الساعة مقتربة من نصف الوقت المقرر ؛ ليسمح لهؤلاء بالخروج فترتاح العين من هول ماترى . يسمح لهم بالخروج ولو بدقيقة أو بدقيقتين قبل موعد نصف الوقت بناء على أن الساعات في أذرعة البشر ليست على وقت واحد ، ولأن الشر بدأ يتصاعد ، والوجوه بدأت تتكدر ، وعضعضة الأقلام بدأت تظهر ، والأظافربدأت تقلم ظفرا ظفرا، وضريس الطاولات بدأ يزعج ، تدرك حينها صعوبة الملاحظة الصفية لأداء الاختبار ومعاناة المعلمين في تلك القاعات ومع هؤلاء الطلاب المتعبين ، وكما تدرك أيضا قلق هؤلاء الطلاب ومعاناتهم مع اختبارتهم ، لذا فهذه أسطر تنساب كرياح الصبا رقة وانتعاشا وتنفيسا ، إنها ومضة تجربة ، وهمسة محب ، ونافذة أمل ، وشعلة مستقبل ، أرسلها عبر هذه النافذة لمعلمين كرماء أفذاذ ، إذ إن مستقبلنا بإذن الله من عصارة فكرهم ، وجودة مبادئهم ، وجمال نشاطهم ، هم النور الذي يبدد ظلمة الجهل والخرافة ، هم الشموع التي تحترق لتضيء ، هم الصبر الذي يمشي على الأرض فيثمر نتيجة ، القليل منهم كثير ، والكثير منهم مبارك ، هنيئا لهم دورهم وعملهم إن أخلصوا وأتقنوا ، كلنا مقصر ، وكلنا بشر ، والبشر عرضة للنقص والزيادة في منهج الخطأ ، وفرق بين الآلة والبشر في العطاء ، مع أن الآلة صنعها بشر علمهم رب البشر، فعجبا لمن يعتذر للآلة ولا يعتذر لتقصير البشر إن حصل ، لكن التناصح والتعاون وتبادل وجهات النظر الإبداعية منهج جميل ، ثمرته عسل ، وتطوير عمل ، وجودة إنتاج ، وحسن مستقبل ، لذا ما أجمل أن نتعامل برفق وجودة مبدأ ، بتطبيق كل أساليب التربية ودراساتها مع جيل بدأ الفضاء يتهامل عليه بكل جديد ، فيه المفيد وفيه غيرالمفيد ، حتى يتجاوز قنطرة المراهقة المؤذية فيعتق منها بسلامة ، كم هو جميل أن نراعي الله أولا في قاعات اختباراتنا عدلا وكرما وخلقا ! ، لتتنزل السكينة وتحل البركة ، كم هو جميل أن نستقبل الطلبة بابتسامة ساحرة مخلصة ، ولغة إيجابية راقية كقولنا : يا أبطال ، يارجال ، ونودعهم بها كذلك ! ، كم هو جميل أن يكون تنويهنا لسلوكهم اللصوصي داخل القاعة بالأذن اليمنى لايسمعنا إلا من علم الإنسان مالم يعلم ! ، كم هوجميل أن يقسم ملاحظو القاعات إلى قسمين في الفترة الواحدة بدقة وقت ، وإنصاف مبدأ ، حفاظا على تركيز ذهني مراد فليس من المعقول تربويا وصحيا أن يراقب المعلم ثلاث ساعات متواصلة خاصة وبعض الأجساد لها أسرارها مرضا وعلاجا ! ، كم هو جميل توزيع الماء والعصير داخل القاعة خاصة لمن يعانون من بعض أمراض مزمنة كارتفاع السكر أوالضغط أو انخفاضهما ! ، كم هو جميل أن يكون هناك زيارات صحية لبعض الأطباء داخل القاعات ، فربما احتيج لذلك من خلال موقف عارض ! ، كم هوجميل أن يكون لدى المرشد الطلابي قائمة أسماء ذوي الاحتياج الصحي والمتابعة السلوكية الخاصة ومراقبتهم واقعيا لأداء اختبارهم على وجه التمام والكمال ! ، كم هو جميل أن تتعاون إدارات المدارس مع الجهات الأمنية في استدعاء بعض الدوريات ذات الضبط المجتمعي أثناء تفويج الطلاب بعد انتهاء اختباراتهم ! ،كم هو جميل أن يتواصل أولياء الأمور مع المدرسة في هذه الأيام ومراقبة أولادهم مراقبة دقيقة ! ، ( كم هو جميل ) جملة تطول لكن الجمال تصنعه رجال لاتخلو منهم مدارسنا ودوائر بلدنا ، فهنيئا ثم هنيئا لمن يزرع ورود الجمال في نفوس البشر وبيئاتهم ، سلوكا واحتسابا واحتراما وتقديرا وإبداعا ، ثم كلنا أيد مرفوعة داعية مولاها بأن يوفق كل مختبر وباحث عن مستقبله بالتوفيق المبارك ، وسيصل بإذن الله إن بذل أسباب ذلك ، متوكلا على من أمر بالتوكل سبحانه .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *