تهنئة تقنية .


تهنئة تقنية .



الكاتب : علي بن سعد الفريدي

تمر على النفس البشرية مناسبات سعيدة ، طابعها الفرح المشاعري ، منها ماهو خاص بها ، كالفرح بالزواج ، وقدوم المولود ، ولحظات التخرج ، والترقيات وغيرها ، ومنها ماهو عام للبشر أجمع ، كمناسبات الأعياد ، وبلوغ شهر رمضان الكريم ، وإدراك يوم عرفة المشهود وغيرها. تتشارك في النفس مع البشر أنسا ، وتتفاعل معهم في غريزة الفرح المشاعرية المشتركة سعادة وإسعادا ، إذ الإنسان مدني بطبعه ، بل إن تسميته إنسانا لاستشعاره الأنس مع محيطه الاجتماعي البشري من قرابة الدم ، وأخوة الدين ، وصداقة الحياة ، فتتبادل المشاعر أنسا معبرا عنه بلفظ جميل يتقاطر عسلا جمالا ، ودعاء فياضا مرفوعا إلى رب السماء بالقبول والتبريك والتوفيق والغفران ، بشكل مباشر، صوت ذات لذات أخرى ، تشترك فيه حاسة السمع والبصر بما ينطقه اللسان من فيض كلم تبريكي ، فتجيش النفس البشرية فرحا متبادلا بما استقبلته من كلمات تبريكية وعبارات ثناء ودعاء ، من ذوات البشر المحيطة قرابة وصداقة وجوارا ، وجها لوجه ، روحا لروح ، مشاعر لمشاعر ، حتى وصلت التقنية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي ، فأحدثت خللا في الحياة الاجتماعية ، وبعدا من حيث الروح المشاعرية ، وتشارك الحواس الخاصة في استقبال التبريك والتهاني . إن رسالة تويترية أو فيسبوكية أو رسالة واتسب أو نصية ، تتضمن تبريكا ما ، أقل تأثرا وتأثيرا في الإسعاد من زيارة ذاتية للشخص المعني بالتبريك ، بل إن الاتصال بالهاتف المحمول مقبول ما ، عندما ينقل صوت المشاعر التبريكية للذات البشرية المعنية بذلك ، إنه من الملاحظ أخيرا أن التقنية ذات التواصل الاجتماعي ، جمدت المشاعر ، وذبلت معها روح المعاني الصادقة في نفوس البشر، وحالت بين التواصل الإنساني المباشر ، الحاضر ذاتيا لاثبات المشاعر بكل صدق ووفاء . إن أكثر التهاني والتبريكات التي تصل لأهلها المعنيين عن طريق التقنية الحديثة التواصلية المجتمعية ، تفوح منها رائحة المجاملة ، ونسبة من الكذب المشاعري المصفصف كلاما، وإن كان الجو المجتمعي ومحيطه يقبل ذلك أحيانا ، لانعدام غيره ، وإلا هناك أساليب أقوى صدقا وأفضل تعبيرا عن المشاعر الجياشة في نفوس البشر التي تريد الانطلاق لتبارك لأهل الفرح والمناسبة أمرهم ومناسبتهم ، فهناك فرق كبير جدا بحجم السماء شعورا وصدقا ، عندما يصل لك بشر يباركون لك مناسبتك ، أويتصلون عليك هاتفيا ، من بشر آخرين وصلت مشاعرهم التبريكية عن طريق الكتابة التويترية أوالفيسبوكية والواتسب الاجتماعي أو الرسالة النصية الجامدة ، إن لكل مجتمع وسائل تبريكاته وتهانيه ، لكن صدقها حقيقة كلما قرب من الفطرية السلوكية التي ألفته البشرية ، والأسلوب الطبعي المباشر. فالتقنية الحديثة وبرامج التواصل الاجتماعي يعتذر بها البشر ، وهي تخفي جمال مشاعرهم ، إنها ناقلة شعور خفي لذات تختبئ خلفه ، لكن الأصل في المشاعر التبريكية أن يبوح بها البشر للبشر دون واسطة تقنية جامدة ؛ إذ ربما جمدت التقنية المشاعر معها، وبعدت عن المصداقية ، وفتح الشيطان معها سوء الظن المظلم . إنني لا أنكر أن التقنية الحديثة الخاصة بالتواصل الاجتماعي ( تويتر ، فيسبوك ، واتسب ) لها إيجابيات كثيرة في المجال الاجتماعي ، ولها سلبيات كذلك ، لكن المشاعر الصادقة لاتنقلها تقنية جامدة بل ينقلها جسد طاهر بحواسه الصادقة شعورا ، وروحه المتدفقة إخلاصا ، ولسانه الفياض دعاء ، وعينيه الغارقة دمعا ، وقدميه المسرعة إثباتا ، ويديه المعانقة شعورا صادقا ، لأجل فرح مستحق ، ومناسبة استجدت ذلك كرما ، في مجتمع له علينا حقوق ، كما لنا حقوق عليه ، فما أجمل إعطاء كل ذي حق حقه ! في زمن التقنية الجامدة ، فالحياة روح صادقة تنقل جسدا طاهرا قبل أن تحين لحظة الانفصال ، فتطير النفس علوا إلى ربها هناك ، ويدفن الجسد في تربته التى خلق منها خلقة ، في حياة برزخية بعدها بعث ونشور ، حينها يفوت زمن المشاعر والشعور ، فأكثر الحواس صدقا ماكان في نبض الحياة ينبض مثلها متفاعلا ، لا عندما تموت الذات البشرية فيحيا بعض الشعور الغبي الفاضح ، المتأخر زمنا عند بعض الأغبياء التي تتهامل عيونهم غاسلة لعدسات عيون كانت غير طاهرة في لحظة زمن فرح فات .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *