وميض كلم في قارة سمراء


وميض كلم في قارة سمراء



بقلم : علي بن سعد الفريدي

يهاجر الإنسان بذاته بحثا عن لقمة عيش يحتاجها ، تأمينا لحياته وحياة من هم في رقبته ، ومسؤوليته الأسرية والمجتمعية ، هكذا عاشت البشرية عبر أزمانها التأريخية في كل أصقاع الأرض، إنها دعوة تأملية حالية ، أن تطلق بصرك فيمن حولك يمنة ويسرة ؛ لتعرف كم دولة ترى عينيك بعض بشرها أمامك ؟ ! ، ولك أيضا أن تسأل متخيلا ، لم هاجروا وتركوا الأهل والأوطان، وخاطروا بحياتهم برا وبحرا وجوا ؟ ، وما واجبنا نحوهم ؟ وهل لو كنا مثلهم سنعيش بمثل مهاراتهم المشاهدة وجدارهم النفسي الصبور ؟ ! . في أسبوع فائت ، ومع صديق عتيق قضيناه في القارة السمراء متنقلين بين أثيوبيا وتنزانيا مرورا ، ثم كينيا وجهة سفرنا المرادة ، فاستثارني الخيال بتساؤلات التأمل ومحاولة الفهم في أسرار هذا الكون ، وسبر أغواره ، إذ القيم البيضاء في القارة السمراء كثيرة ؛ لذا فأطلقت ذهني أن يقتنص بعض جمالها ؛ لأرصدها هنا تدوينا ، فكانت أول فكرة مقنوصة هي : أن العمل جزأ من حياتهم لاينفك ألبتة ، في سلوك صغير البشر وكبيره ، فالبشرة السمراء تكدح كدحا في كل مجال حياتي ، في سبيل أن تنام نومة هانئة عند حلول وقت سباتها ، لتنطلق في بكورها ونهارها بحثا عن معاشها ، لأنها عرفت أن غبار الشوارب دسمها في مجال العمل الشريف والانتاجية الإبداعية المتقنة ، ولأنها أدركت أن الذي لايعمل يصدأ ، وأن العمل نكهة الحياة وكسوتها ، وبه يطهر المرء نفسه ويتحقق له بالعمل سلوة ووجود وارتياح . كما أن مما وجدته أيضا بعد طول تأمل في أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يتعوذ من الكسل عبثا ! ؛ إذ أن بين الكسل والفقر علاقة وثيقة وثيقة ، كما أن بين الكسل والمرض علاقة أوثق ، حيث إن الحياة عمل ، ومن لاعمل له لا راحة له ، بل إن الأمراض النفسية والعصابية تكثر مع الفراغ والرفاه ، إذ يقتل الفراغ مالا يقتل العمل ، هكذا أدركت. هناك في أفريقيا الكل في صراع مع الحياة إيجابيا ، بحثا عن لقمة عيش أمر ببذل أسبابها ، وربما كانت الأسباب يسيرة جدا في نظرنا ؛ لكنها في الطريق الصحيح في ميزان المبادئ الحياتية ، والقيم الإنسانية ، والسنن الكونية والشرعية ، كما أن مما لاحظته هناك قلة التسول والمتسولين في طرقات الناس ومعايشهم مع حاجتهم الشديدة ! ، فلعلهم أدركوا أن التسول وسؤال البشر مما في أيديهم هي مزع من لحم الوجه تتساقط ذلة ، وقلة كرامة، وتعذيب مشاعر0 إن جميع مجالات الحياة هناك ، يمتلك مهاراتها العملية أهل البلد أنفسهم كل حسب هوايته ورغبته واهتمامه ، كما أن مما شاهدته أيضا أثناء تأديتنا لصلاة الجمعة ، ذاك الخطيب المفوه الذي ضمن خطبته فتوى للإمامين الراحلين ابن باز وابن عثيمين ناطقا باسمها مترحما عليهما، وناقلا لفتوى هيئة كبار العلماء في السعودية في مسألة اختلاف المطالع لشهر رمضان ، فهنيئا للقبول الذي وضع لعلمائنا في أرجاء المعمورة بنقل علمهم ثقا وأمانة واحتراما وتقديرا . وبعد هذا ، كله أدركت أن تربيتنا لأولادنا عليها علامات استفهام كثيرة تتبعها علامة تعجب ، إذ واجبنا تجاه أولادنا تقوية أقدامهم في مجال العمل الحر الشريف المتنوع ، وتشجيع مواهبهم الطموحة ، وصقل مهاراتهم المختزنة في ذواتهم ، لتكون لهم بصمة نجاح في عمارة الحياة واستثمارها ، إن أكثر مشاريع الحياة في كل مجالاتها بدأت من أفكار صغيرة شجعها أهلها حتى أصبحت عالمية الشهرة في الانتاجية والنجاح البشري المتقن بتوفيق الله ، إنني أعلنها صراحة أن المجتمع له تأثيره الإيجابي أو السلبي في سلوك البشر وأفكارهم ، فكون لأسرتك مجتمعا يبنيه في عالم المعرفة والمهارات والتطوير ، لتستنبت المواهب ، وتدفع إلى الأمام في سبيل العلم والمهارة والتطور والتطوير ،كما أني أعلنها أخرى صريحة بهمس أخوي وبمنهجية حب ومحبة ، بعد إجادة القدر الوافر الكافي من العلوم الشرعية وأصولها ، والعلوم العربية وآدابها ، والتضلع فيهماحق التضلع ، هناك مهارتان لابد لكل ذات بشرية أن تتقنها بجودة فائقة ، هي مهارة علوم الحاسوب ، ومهارة اللغة الانجليزية الحوارية ( المحادثة ) ، لتكون الذات قوية المهارة ، متنوعة العلوم والمعارف ، ممايجعلك تتلذع طيرا حرا تحلق في كل مجال تقصد ، لايعيقك لسان عما تريد ، ولايخدعنك ألسنة بشر ببعض خبث كلام لاتعرف معناه ، بل تعبر عن فكرتك واحتياجك المراد بمخزونك اللغوي المتطلب وبسلاحك اللساني الماهر، إذ اللسان سلاح ، وذخيرته لغة . فجميل أن تكون كذلك ، محافظا على دينك وقيمك وأصالتك ومبادئك ، وكونك داعيا إلى كل جميل ، بلغة جمالها إتقانك ، وحسن تفكيرك وفكرتك ، ناثرا ورود الخير وزهوره في بستان المعمورة الجميل ، فالخلق مسخر بعضه لبعض ، والتوفيق بيد الله سبحانه ، والنجاح للجميع ليس حكراعلى أحد ، ومجالات الحياة المتاحة كلها ميدان فرص تحتاج فارسا يهذب جواده ؛ ليقطع أشواط زمانه فوزا وإبداعا ، فأدركوا أسباب التفوق في الحياة ، مستعينين بالمعين سبحانه ، فإن حياة الدنيا فرصة واحدة ، وهي هدية من الله لنا ، لنظفر بالنجاح هنا ، ولنفز بالآخرة هناك ، بما عملنا في سالف زمن ، من أيام خلت .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *