بسمة في يوم عيد .


بسمة في يوم عيد .



بقلم : علي بن سعد الفريدي .

تكتمل عدة رمضان ، فإذ بالعيد يطل بأفراحه وانشراحه ، وأنسه ولذاذته وتبريكاته ، فتعم الفرحة وجوه البشر ، وتذوب الفوارق بين المسلمين . إنه اجتماع مسلمين في يوم مقدس ، ألسنتهم ذكر وتكبير ، ودعاء للكريم بالقبول والمسامحة عن التقصير ، بهجة تعلو محيا الوجوه ، بعد أن درجت الأقدام لصحراء مجاورة ؛ لتأدية صلاة العيد ، وبعد أن تصبح المسلمون بتمرات قطعوهن وترا ، اتباعا لسنة ثبتت عن سيد بشر ، مثلما أوتروا بركعات صلاة في آخر ليل . عرفوا حقيقة دنياهم ، وأنهم يوما ما سيغادرونها لحياة أخرى ، فخروجهم للصحراء ؛ إشارة لخلقهم ، ودفنهم ، وبعثهم ، شعاع الشمس ملأ الافق احمرارا ، ثم تنفس الصباح ، فأشرقت الشمس وارتفعت قدر رمح لتضيء الكون في يوم عيده ، وبدأت أصوات الطيور تشدو مسبحة لخالقها ، صلى المسلمون صلاة عيدهم بإتقان ، واستمعوا خطبة خطيبهم بإحسان ، ثم تعانقوا تحية وسلاما ، وتكريما وإكراما ، ودعاء صادقا يسوقه صفاء قلب ، وطهارة ضمير ، واستشعار وحدانية جسد ، فالأب أدم ، والأم حواء ، والأبناء الإنس إلى قيام الساعة ، لباسهم جميل جديد ، راجين رحمة رب العبيد ، شاكرين ربهم ذا المعروف الذي لاينقطع أبدا ، وذا النعم التي لاتحصى عددا ، ثم هبوا لمعايدة الأقرباء والأصدقاء ، في الطرقات ، وفي البيوت ، وفي المستشفيات ، رؤوسهم تتعاقب يمنة ويسرة أثناء سلامهم لتوزيع قبلات الطهر والعطف والفرح والتقدير والاحترام لذوي الرحم والجوار والصحبة والصداقة . أرواح علت مبادئها ، بفضل تمسكها بدينها ، فسمت عن كل شعور لايليق ، فبان التسامح والتراحم سلوكا ظاهرا في يوم فرح أخاذ ، وتبخرت مشاعر الجسد السلبية التي حفظتها ذاكرة غير موفقة ، ببعض مواقف ضعف بشرية في سابق زمن ، لكنه العيد فرصة رحمة من الله ، لجسد وروح ، ولفرد ومجتمع ، هو يوم الجوائز عند الله ، فكانت الفرحة والبسمة والحلاوة عنوان ذلك اليوم العظيم وشعاره . إن العيد صفحة سلوك جديدة . هو تجديد للروح والمشاعر ، هو فرصة طاعة ، هو موعد توسعة على الجميع بما أباح الله ، هو عنوان تماسك مجتمع ، هو مظهر فضيلة ، واستشعار سماحة دين ، هو زمن نسيان هموم وغموم ، هو تنشيط جينات الفرح والسعادة لئلا يقتلها اليأس والإحباط ، في العيد كل شيء جميل ، حلاوة لها لذاذة ، وفنجال أشعل مزعفر له مع بكور الصباح قصة انقطعت شهرا كاملا استجابة لأمر سماوي ، ثم صحون ربضت عليها بعض بهيمة أنعام ، نضج طهيها من نار مشبوبة فجرا ، فقدمت كرما وضيافة ، مرتبة منظمة مع نعم أخرى ، شكرها بأكلها وإحسانها ، وحمد الرب عقبها ، فبدت الأصابع تنهشها أكلا لايخلو من شدة ؛ تأكيدا لفطر في يوم حرام صيامه . في العيد روائح البخور والعطور لها ذوق خاص ، فالأذواق مختلفة فطرة ، لكنها تمازجت في ذلك اليوم جمالا وانتعاشا وتنوعا ، في العيد يتداخل الفرح الخاص مع الفرح العام ويتمازجان بشعور فرح جماعي ، إذ الفرح الجماعي أعمق أثرا في النفس البشرية من الفرح الخاص ، وبه ينمو الشعور الاجتماعي بين أفراد الأمة ، في العيد بعد عن الأنانية المشاعرية ، والمزاجية الضيقة ، في العيد بسمة أرواح ، وابتسامة شفاه ، في العيد غني يعطي فقيرا ، وكبير يقبل صغيرا ، في العيد إحسان يدخل كل بيت ، في العيد أفضل حياة رأيت ، في العيد جمال منظر في وجوه بشر ، في العيد هدايا وعيديات ، في العيد تهنيئات وتبريكات ، في العيد جمال كلمات اختزنت في ذاكرة يغرفها لسان مبين ، عرف صاحبه أن الكلمة الطيبة صدقة فجاد بها كرما وإحسانا ، في العيد قلوب تتصافح قبل أياديها ، في العيد رحيق زهور فواح ، في العيد شمعات أمل مضيئة ، في العيد اجتماع كلمة على حق وحقيقة ، وأخيرا أهمس بهدوء : العيد سيعود ، لكن ربما أنت لاتعود ، فكم من صلاة تعدد تكبيرها لا لعيد لكن لجنازة ! ، فانتبه لعلاقتك مع رب البشر أمرا ونهيا ، فالحساب عنده ، والأجل قد قدره ، والمرجع إليه . وإليك ومضة عيد منقولة : ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك / لا أن تجرَّ به مستكبراً حللك / كم من جديد ثياب دينه خلق / تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك / ومن مرقع الأطمار ذي ورع / بكت عليه السما والأرض حين هلك ، عاد عيدكم بالبركة ، ورزقتم الغفران ، ونلتم القبول . وكل عام وأنتم بخير ، ينطقها لساني تحية ودعاء صادقا لكل مسلم في كل وطن .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *