ست بستين


ست بستين



علي بن سعد الفريدي

مضى شهر مقدس ، أودعنا فيه مايسر الله من صالح عمل ، سائلين الله القبول والغفران ، ومازالت الليالي وأيامها تقطع بنا العمر ، مقللة فرصة حياتنا هنا ؛ لحياة أخرى هي أخير وأبقى ، وبما أن عمر الإنسان قصير ، ويقصر كل يوم ، تدركه رحمة خالقه في مشروعية مواسم مباركة وأعمال جليلة رحمة من الخالق لخلقه ، ليفوزوا بلقياه في تلك الحياة الآتية الباقية ، من ذلك صيام ست من شهر شوال ، إذ قال فيها النبي عليه الصلاة والسلام : "من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر". وفي سنن ابن ماجه عن ثوبان مولى رسول الله عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة . وعن النبي أيضًا أنه قال: صيام رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بشهرين، فذلك صيام السنة ، ما أعظمها من فرصة ! صيام ستة أيام تعدل أجر ستين يوما ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ) ،

كل ذلك ليعيش المسلم مع العبادة بمنهجية تواصلية في العمر كله عبادة لله وتقربا بماشرع ، لا أن تكون عبادته رمضانية المنهج ، إذ رب الإنسان والزمان واحد . إن صيام الست سنة مستحبة ثبتت عن سيد بشر ، وهي دالة على شكر رب أعان على صيام شهر رمضان ، كما أن صيامها علامة على قبول صيام رمضان ، قال بعضهم : ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، كما أنه يجوز تفريقها في شهر شوال كاملاً ولا يلزم التتابع فيها ؛ لأن الرسول – صلى الله عليه وسلم – أطلق صيامها ولم يذكر تتابعاً ولا تفريقاً ، حيث قال – صلى الله عليه وسلم : من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر ، ثم ليبادر من عليه قضاء بصيام قضائه ثم يصومها خروجا من الخلاف ، وإبراء للذمة مما وجب عليه من صيام فرض ، وادراكا لفضل صيامها .

كما أن تسمية اليوم الثامن من شوال بعيد الأبرار تسمية خاطئة فبعض الناس يجعلون اليوم الثامن من هذا الشهر عيدًا يطبخون فيه الطعام ويفرّقونه على الجيران والأقارب ويسمّون هذا اليوم الثامن بعيد الأبرار ، إن هذا اليوم الثامن ليس عيدًا للأبرار ولا لغيرهم، وكذلك أيضًا لا ينبغي أن يُظهر فيه شيءٌ يختص به من إطعام طعامٍ أو نفقات ؛ لأن هذا من الأمور البدعية ؛ فإنه لا يجوز لأحدٍ أن يُخصص يومًا من الأيام بزيادة عمل صالح إلا ما جاءت به السنّة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعظمُ من ذلك أن بعض الناس يظن أن صوم اليوم الثامن من هذا الشهر صوم محرّم ؛ لأنه يوم عيد ، وهذا خطأ ؛ فإن هذا اليوم كغيره من الأيام يجوز صيامه وليس عيدًا للأبرار ولا لغيرهم . هنيئا لكل صائم انتهى ، وإعانة لكل من نوى ، فشوال قمره حان إبداره ، فالبدار فالبدار مادام القلب ينبض حياة ، فالحياة قصيرة ، وما دقات قلبك إلا شاهدة بذلك ،

قال شوقي : دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة له : إنَّ الحياة دقائق وثواني ، فالأيام تطوى ، وهي حبلى بأقدار الله ، ومايدريك فلربما كانت ولادتها حدث لايرضيك ، حينها لاتنفع لغة الندم ، فقد فات الزمن ، ختم الله لكل مسلم بالطاعات والغفران والقبول ، وشرح صدره بثواب ربه يوم يلقاه ، فالإياب إليه ، والحساب عليه .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *