أضـحـيـة فـي يـوم عـيــد .


أضـحـيـة فـي يـوم عـيــد .



علي بن سعد الفريدي .

يتقرب المسلمون لربهم في ذبح الأضاحي في يوم العاشر وثلاثة بعده ، بعد أن عرفوا شروط الأضحية المجزية ، واجتهدوا في الاختيار ، فابتعدوا عن العرجاء والعوراء والعجفاء ( الهزيلة ) والمريضة ، لأنهم عرفوا أن الله طيب لايقبل إلا طيبا ، وقد أمسكوا من بداية شهر ذي الحجة عن أخذ الشعر والظفر استجابة لأمر نبيهم عليه الصلاة والسلام ، فقضوا عشرهم يتقربون إلى الله بماشرع من صلاة وصيام وزكاة وصدقة وتكبير وتحميد وتهليل … ، انكسرت نفوسهم لربهم خشوعا وخضوعا . دمعات على وجنات ، وعبرات تسكب ، كلما سمع تكبير يرتج به مكان ، ( الله أكبر ، الله أكبر، الله أكبر ، لاإله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ) حيث إن الإنسان كائن ضعيف يتأثر بالإنسان وبالزمان وبالمكان ( الله أكبر كبيرا ، والحمدلله كثيرا ، وسبحان الله بكرة وأصيلا ) جملة حق تقشعر منها نفوس أهل الإيمان ، ويرتعد منها أهل الإحسان ، لذا ما أجمل أن تنبس الشفاه بها ! ، وأن ترتج الطرقات منها . ثم صاموا يوم عرفة ، إرادة في تكفير سيئات لايخلو منها بشر ، لكنهم لم ييأسوا من رحمة رب البشر ، فأكثروا من النوافل من الصلوات والصدقات في منهج توبة نصوح ؛ حيث إن التوبة تجب ماقبلها ، فألسنتهم ذكر ، وسلوكهم طاعة ، وأخلاقهم بشر وسماحة ، صفاء ضمائر ، وإخلاص نوايا ، وبذل كرم ، ومتابعة لسيد بشر ، إحسان للذات متعد للغير من إنسان أوحيوان ، وفي كل كبد رطبة أجر ، فالمبتغى الجنة ؛ ولأجلها يهون التعب وتزول المشقة ، ويبذل الغالي قبل الرخيص ، فالرب رحيم كريم حليم عظيم ، يعطي على القليل الكثير ، وهو مع الصابرين ، وقريب من المحسنين ، والحياة الدنيا هدية من الله لنا لنتقرب إلى الله فيها بما شرع ، ولن نعود لها مرة أخرى ! . في ليلة العيد يتهيأ المسلمون لعيدهم ، فأضاحيهم لها رغاء وثغاء وخوار ، أخفوا سكاكينهم وشفراتهم بعد أن حدوها حدا يحصل به إراحة الذبح والذبيحة تقربا لله بما أمر . انطلقوا بعد الفجر لم يذوقوا شيئا من طعام أو شراب إلى مصلى العيد ، فأدوا الصلاة ثم استمعوا لخطبة العيد خاشعين لله ذليلين له ، بسكينة ووقار ، وانتهت الخطبة ، فهنأ بعضهم بعضا بالعيد السعيد ، في يوم النحر الأكبر ، فألسنتهم ناطقة بقول : ( تقبل الله منا ومنكم ) ، فليست القضية الكبرى عمل صالحات ، وإنما القضية الأكبر هي قبولها ، ولايتقبل إلا من ذوي التقى والتقوى ( إنما يتقبل الله من المتقين ) ، خرجوا لضحاياهم ، فأضجعوها على يسارها إن كانت مما يذبح ، أو جعلوها قائمة معقولة يدها اليسرى إن كانت مماينحر ، فذبحوا ونحروا ، بسكاكين حادة شاطرة ، مرروها بسرعة فائقة على الأوداج ، بسم الله والله أكبر ، اللهم هذا منك وإليك ، فانبثق الدم المسفوح تشطيرا له خرخرة ، أشركوا أحياءهم وأمواتهم في أضحيتهم ، ونفذوا وصايا موتاهم برا وصلة ، فتجرد التوحيد بالذبح هنا لله رب العالمين حيث إن الذبح عبادة لاتكون إلا لله ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ) بدأوا بالسلخ والتقطيع ، حيث الصدقات والهدايا والادخار ، أشعموا النار ، ورموا فيها الكبد وما رق من اللحم ، ليسرع نضجه فيتناولوه مع ما أحل الله من مشروبات تساعد على الهضم وتبعد عسره ، دعوا خواص الأقرباء والأصدقاء ومن حولهم ، لتكون أكلة شهية لذيذة ، يتلذذ الذوق بها طعما ، والعين منظرا ، أكملوا سلخ أضحيتهم بإتقان ، ثم بدأ تكييس اللحم ليسهل إهداؤه وادخاره والتصدق به ، قربوا أدوات حلاقتهم ؛ ليحسنوا بشرتهم وليقلموا أظفارهم ، وليأخذوا من شعرهم مايحصل به حسن المواجهة ، مما أمروا به شرعا ، لبسوا أحسن حلة ، وأجمل لباس ، مرروا بعض رشاش العطر ورذاذه على جديد لباسهم ، فاصبح منظرهم له بهاء ، ومجالستهم لها رونق ، حيث عبادة الله وطاعته ، والإحسان إلى خلقه ، لها أثر واضح في سلوكهم ومحياهم ، فلاغرابة أن تبتسم الشفاه معهم ، وأن يحصل الأنس بهم ، ويزدان المجلس بسواليفهم ، وحديثهم الجاذب ، فأدبهم يفوح من مشاعرهم ، خرجوا من مجلس لآخر ، ملبين الدعوات ، وحاملين التهاني والدعوات المباركات ، صفاء ونقاء ووفاء يقودهم ، لاتعالي ولاكبر في ذواتهم وسلوكهم ، ولا عنصرية شيطانية تسوقهم ، ولاحزبية دينية أو دنيوية فيما بينهم ، فالدين واحد ( الإسلام ) ، والأب واحد ( آدم ) ، والأم واحدة ( حواء ) ، والقبلة واحدة ، واللغة واحدة ، والوطن واحد ، والقيم واحدة ، ولافرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى ، ومرد التقوى إلى الله ، إذ الإياب إليه ، والحساب عليه ( إن إلينا إيابهم ، ثم إن علينا حسابهم ) ، وأخيرا أهمس همسة : نبي رأى في منامه أن يذبح ابنه ، فأقدم على ذلك بأحسن امتثال ، واستسلم الابن لأبيه في تنفيذ إرادة الله ؛ حيث إن رؤيا الأنبياء حق ، ثم فدي بذبح عظيم ، ألا يشجعنا ذلك بأن نضحي ببعض مالنا في شراء أضحية مباركة ، نتبع به سنة الأنبياء المرسلين ، ونفوز بجنان الله ورضاه يوم نلقاه ، مابال بعضنا يتردد في ذبح أضحية بخلا منه وجهلا ؟ ! لذا هيا لنضح ببعض مالنا في أضحية ، قبل أن يأتي قدر الله فيضحي بنا الموت قبل ضحايانا ، ويتقرر المال كله للورثة شرعا ، فينقطع العمل إلا من الثلاث ، وقد لاتحصل ! ، لذا هيا قم ، قم هيا ، فالعمر عارية ، والمال مال الله ، فلاتكن به بخيلا ، فإني لك من الناصحين ، ، ، وكل عام وأنتم إلى الله أقرب ، تقبل الله ضحايكم ، وصالح أعمالكم ، فزتم برضوانه وجنانه ، ونلتم القبول . آمين ، آمين .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *