ربا يمحق بركة .


ربا يمحق بركة .



علي بن سعد الفريدي .

يعيش الإنسان في دنياه تتقاذفه الأهواء وتصارعه الشهوات ، لكنه بمنهجية اتباع لرسول كريم عليه الصلاة والسلام ، وبطريقة صبر وتصبر، يحاول أن تكون حياته بصمة إيجابية توافق سنن الله الكونية والشرعية ، ومما يغريه في ذلك شهوة المال المحببة للنفس البشرية ، إذ المال شريك العقل ، وله من اسمه نصيب ، فهو يميل سلوك البشر بشعور أو بدون شعور ، والعقول المؤمنة تتفاوت عندما تكون فرص المال المشبوهة أمامها متحققة الربح ، متيسرة الجهد ، وبما أن المال مال الله ، وهو وديعة لدى الإنسان ، فنعم المال الصالح للرجل الصالح . لقد انشغل مجتمعنا في الأسبوع الفائت في حوارية جدل حول شرعية اكتتاب في أسهم بنكية يفوح منها رائحة الربا ، وبما أن مسألة الربا واضحة الحكم في قليله وكثيره ، إلا أنني مازلت أتعجب ممن يتتبع الرخص ، مرخيا سمعه بحثا عن قول يوافق هوى في نفسه ، ويبتعد عن فتوى ذوي الحقيقة والدليل والمنهج الأحوط ! . إن إجماع العلماء على حرمة أمر ما ، هو حجة عند العقلاء بأن يكتفوا بقولهم لمن يريد البركة والفوز في الدارين ، كما أن أي شبهة في كل شيء من أمر الدين أو الدنيا حري بأن يكون منهج العاقل منها فرارا وهربا ، فالفتنة تتلون فإذا وقع الإنسان فيها عرف سوادها وشؤمها ونتنها ، إن المال في الحياة له طرق نظمها الشرع ، وأبان حلالها وحرامها ، ومن الحرام المعاملات الربوية أيا كان نوعها وجنسها ، إذ الربا كبيرة ذنب ، ومحق بركة ، وشؤم سلوك ، وأنانية منهج ، وطرد سعادة ، وهدم اقتصاد ، وضعف إيمان ، ورد دعوة ، واضطراب حياة . إن المال الحرام فوحه نتن ومرض ، وله شؤم على المال والجسد والمجتمع ، ثم إن الربا من أكبر الكبائر كما يقول ابن حزم ( رحمه الله) . إن لكل معصية خطورتها بحسب شمولها، فهناك معصية تؤذي فاعلها فقط، وهناك معصية تؤذي شخصاً آخر، أما الربا فيؤذي المجتمع أجمع ، إنه بلاء على الإنسانية بحق ، وإننا في غنى عن المال الحرام في أي صورة كانت ، ففرص الحلال كثيرة بحمد الله ، والفطن الأريب هو من احتاط لماله في جمعه وفي استثماره وفي إنفاقه . فالمال له قذارة ، ولولا ذلك ما شرعت الزكاة والصدقة والبيع والشراء وطرق المال المباحة ، ولقد تأمل المجتمع كثيرا في سنين مضت عندما كان سوق الأسهم له رواجه وكلمته ، وأخباره تفوق جميع الأسواق خبرا وسؤالا وتوصية وتحليلا علما بأن بعض الأسهم كانت مشوبة بالربا ، مما جعل بعض المتخصصين ماليا وشرعيا يصدرون قوائم مالية تبين ماكان نقيا مما شابه الربا الكلي أو الجزئي ، وغفل الكثير عن ذلك ، فالسباق كان نحو ثراء سريع بإيجاز زمن ، وفق شعار زد رصيدك بحلال أو حرام ، فكانت النتيجة انهيار سوق كامل ، تلامظت مؤشراته احمرارا بأن الخطر قد وقع ، والمصيبة قد حلت ، وما يدرينا أن ذلك كان بشؤم تلك الكبيرة ( الربا ) ، التي محقت البركة فأكلت رأس المال والربحية وأعمار بعض البشر معا . إن آية واحدة في كتاب الله فقط رادعة عن كل معاملة ربوية لمن وعاها وانتهجها تطبيقا ، فهي من كلام ربنا الخالق الرازق العليم الحكيم إذ يقول : ( يمحق الله الربا ويربي الصدقات ) ، فهيا هربا عن كل ربا ومعاملة مالية مشبوهة قبل أن تمحق البركة في المال والعمر حينها نندم ولات حين مندم ؛ إذ في الآخرة حساب منتظر ، فهناك المصيبة الكبرى عندما يسوق المال الحرام صاحبه إلى عذاب الله . فهيا هربا مازلنا في وقت المهلة والإمكان خوفا من الله ورجاء لثوابه وبركته ، وتحقيقا لسعادة في الدارين .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *