اللغة التي لاتموت .


اللغة التي لاتموت .



علي بن سعد الفريدي .

تبقى اللغة العربية هي لغة الدين والعلم والفكر والأدب ، ورمز الهوية والرسالة، وستبقى حية خالدة مع الزمن لاموت لها في الدارين ، فهي لغة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، وهي لغة أمة كبيرة ، أفنى الموت بعضها وبقي الآخر ، في حياة تدبيرها بيد الخالق سبحانه ، يعيشون ويتعايشون في مشترك لفظي ، ولسان إبداع ، اسمه العربية ، هي لغة جمال وكمال ودلال ، تتكون من ثمان وعشرين حرفا هجائيا ، وبعضهم يزيد حرف الهمزة لتصبح تسعة وعشرين حرفا ، إنها تمتلك خصائص لاتملكها أي لغة إنسانية أخرى ، من ذلك أنها لغة القرآن ، وأنها لسان نبينا – عليه الصلاة والسلام – ، وكونها أقدم لغة حية في العالم لم تتغير ، إلى جانب خلودها زمنيا فلاموت لها ، كما أنها تمتلك أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات ، إذ تجد مخارج أصوات حروفها موزعة على الحلق من أسفله مرورا بأوسطه إلى أعلاه فيما يقرب من جهة الفم ، بخلاف لغات أخرى ، حروفها أكثر عدداً ولكن مخارجها محصورة في نطاق ضيق ومدرج أقصر، كأن تكون مجتمعة متكاثرة في الشفتين وما والاهما من الفم أو الخيشوم في اللغات الكثيرة الغنة ( الفرنسية ) مثلا ، أو تجدها متزاحمة من جهة الحلق ، كما أن الكلمات في اللغة العربية لاتعيش فرادى منعزلات بل تعيش باجتماع مشترك، كما يعيش أهلها في قبائل وعوائل وحمائل ، فهي متسلسلة في تراكيبها وسياقها اللغوي ، بين كل كلمة ومثيلاتها نسب ، إذ الكلمة لها جسد وروح ، كما أنها ترمز بحرف من حروفها فهي لغة الضاد ، وما رمزها بذلك إلا لأمرين : أحدها : صعوبة مخرج هذا الحرف فلا ينطقه إلا عربي قح ، والثاني : لعدم وجود هذا الحرف ( الضاد ) في سائر اللغات الإنسانية الأخرى . إن العربية لسان ، ولكل لسان لغة ، ولكل لغة أدبها ، ومفرداتها ، وكلماتها ، وتصريفها ، وعلماؤها ، ومثقفوها ، وشعراؤها ، ونثريوها ، ونصوصها ، وقواعدها ، وجذورها ، ومجامعها ، ومعاجمها ، وعربيتنا لها مجد عظيم تليد في كل ما سبق ، و التأريخ شاهد على ما أقول ، إن اللغة العربية ساحرة البيان ، فاتنة القول ، هي أدق لغة إنسانية في وصف الأحاسيس والمشاعر والتجارب الشعورية التي يمر بها الإنسان في كل حالاته ، ثم إن الحرف العربي يكيف المكان ، ويطرب الإنسان ، ويخلد مع الزمان . إن اللغة العربية فكر ناطق ، حاملة للأفكار ، ناقلة للمفاهيم ، ومرسلة للشعور والمشاعر ، بها يحصل الاتصال والإلفة ، وبها يحصل حماية الكيان ، وبها يبنى البنيان ، لاتقبل الصلاة شرعا إلا ببعض كلماتها ، ولاتصح خطب الدين إلا بإجادتها ، ولايتلى كتاب ربنا إلا بحروفها ، إنها رابطة حقيقية بين عالم الأجسام وبين عالم الأذهان ، وهي مظهر من مظاهر التاريخ ، والتاريخ صفة الأمة ، إن اللغة تقوى بالاستعمال ، وتندثر بالإهمال ، فكلما استعملت اللغة كثيرا نمت وتجددت ، وإلا ستصبح بائدة بعد أن كانت سائدة ، ولنا في تأريخ اللغات وعلم اللسانيات دليل على ذلك ، فأين اللغة الفرعونية والبابلية الآشورية مثلا ؟ . إن اللغة العربية مقوم أساسي من أهم مقومات حياتنا وكياننا ، وهي صلة بيننا وبين أجيالنا ، بل بين حاضرنا وبين تراثنا ، وكما قيل : ( بدأت العربية فجأة فكانت على غاية الكمال ، وهذا أغرب ماوقع في تأريخ البشر ، فليس لها طفولة ولاشيخوخة ) ، إن اللغة العربية لغة عالمية ، ولها يوم عالمي تحتفل بها في جميع دول العالم العربي ، والذي يوافق الثامن عشر من شهر( ديسمبر ) كل عام ، لأنه اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم : ( 3190 ) ، والذي أقر اعتماد اللغة العربية لغة عمل رسمية داخل الأمم المتحدة بعد اقتراح من عدة بلدان عربية منها المملكة العربية السعودية ، واعتمد لها شعار عالمي خاص بهذه المناسبة ، أملنا ورجاؤنا فيه أن يكون شعارها بالتأريخ الهجري ، إذ كيف يكون الاحتفال اللغوي العربي بتأريخ غير عربي ! . إن عالمية اللغة العربية ليست يوما واحدا بل كل يوم ، وهاهي تتطور ويزداد الإقبال على تعلمها من جميع الأجناس البشرية ، وأخيرا أهمس بمقولتين منقولتين : 1- يقول الدكتور عبد الوهاب عزام : (( العربية لغة كاملة محببة عجيبة، تكاد تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة، وتمثل كلماتها خطرات النفوس، وتكاد تتجلى معانيها في أجراس الألفاظ، كأنما كلماتها خطوات الضمير ، ونبضات القلوب ، ونبرات الحياة . )) 2- أعجبني من قال : ( إن لغتك وجهك، حين تضيعها لن يتعرف عليك أحد، وستكون مرآة للأمم الأخرى، تعكس ملامحهم ) . سلمت العربية وسلم من يهتم بها تدينا وعلما وفكرا وأدبا ، وستبقى العربية لغة الشموخ والخلود ولغة الإبداع في مستقبل الزمان كما كانت في ماضيه ، وسينصرها من تعهد بحفظ كتابه النازل بها ، بعرب أو بعجم ، وما سيبويه ومؤلفاته إلا شاهد إبداع على ما أقول ، وغيره كثير ، فهيا لنتعلمها ، ولنشجع على تعليمها ، ولنجعلها لغة الحياة في كل مجالاتها ، بل نباهي بها ونفخر كما قال شاعر عكاظ لعام 1435 أ/ عيسى جرابا : هل في لغات الكون كاللغة التي / يسمو بأحرفها كلام الله / حق علينا أن نظل الدهر في / محرابها نشدو لها ونباهي ، وكما قال الشاعر سعيد القرني : خذوا جناني خذوا سمعي خذوا شفتي / إن لم تباه بماجادت به لغتي / إن لم تكن لغتي الغراء لي سمة / فلاتسل بعدها ياصاح عن سمتي / الله يا لغة القرآن يا لغة الإحسان يا لغة الإبداع يا لغتي .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *