همسة في أم رقيبة .


همسة في أم رقيبة .



علي بن سعد الفريدي .

أم رقيبة مكان يبعد عن محافظة حفرالباطن مئة وخمسين كيلا من جهة الجنوب ، أرضها ذات انبساط نفودية ، تضفي عليها صحراء الدهناء بعض جمال صنعه الخالق سبحانه ، خاصة عندما ترتوي من سقاء رب العالمين ، فيصبح المنظر مما يسر الناظرين ، أمواج رملية ذهبية في لحظات جمود وهدوء ساحر، حيث إن بعض الهدوء يطحن المشاعر اشتياقا . تستقطب أم رقيبة كل عام مهرجان جمال ، إذ للجمال عشاقه ، يبحث فيه عن سلالة الإبل النادرة في أكرم مخلوق حيواني عند العرب ، وهي الإبل التي ذكرها الله في كتابه ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ) ، إذ للإبل معهم قصة وفاء ، فهي مصدر غذائهم ، ووسيلة ارتحالهم ، وحق الوفي الوفاء من إنسان أوحيوان ولو طال الزمن ، فأصبح المكان يستقطب زواره لهذا المهرجان الرسمي ، الذي تشارك فيه جميع الدوائر الحكومية ، كل فيما يخصه ، حسب الصلاحيات المخولة لها بذلك . وقد اعتمد للحفل جائزة سنوية تحمل اسم المؤسس الملك عبد العزيز – طيب الله ثراه وجميع موتى المسلمين – ، تسلم في حفل رسمي بحضرة صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن عبد العزيز – وفقه الله – ، فأخذ البادية والحاضرة يتنافسون على تلك الجائزة ، كل ولونه الذي يعشقه في إبله ، إن كانت مغاتير ، أو مجاهيم ، أو صفرا، أوشعلا ، أو حمرا ، أوزرقا ، يجتمع الأصدقاء ، والزملاء ، والأقارب ، والأباعد ، وأصحاب الفضول ، وذوو الاهتمام المشترك ، في حفل كل ذي إبل مشاركة ؛ لتزف إبله إلى منصة الترشيح والتتويج ، وإلى لجنتها المعتمدة من ذوي الخبرة في الحيوان المشار إليه أعلاه ، يتخلل الحفل بعض قصائد مادحة لصاحب الإبل ، وقبيلته ، وأوصاف إبله ، ثم عشاء دسم على بعض صغارها ، مبركة على صيان خاصة ، ليتهم يحسنونها بعدما ينتهون ، أويتصلون بالجهات الخيرية ليتم إحسانها ، فكفران النعمة مؤذن بخراب البلاد والعباد ، ثم إن المتأمل في السلوك المجتمعي في الآونة الأخيرة يجد أن أم رقيبة بدأت تنحى منحى خطر ، تجاه الانقسامات المجتمعية ، والعنصريات القبلية ، والحزبيات الضيقة ، يغذيها بذلك قصيد تشيله بعض الحناجر الموهوبة صوتا، تنقله قنوات فضائية شعبية متخصصة ، فربما أسكرت مشاعر وشعورا ، وأعمت عقلا وتفكيرا . إننا لابد أن نبتعد عن كل سلوك جاهلي يفضي إلى نتيجة سلبية ، كما يجب أن نقطع الفتنة وأسبابها ، فكم من صداقات بدأت تتعنصر بسبب حيوان يلوح بذنبه لايعلم ما الأمر ؟ ! ، وكم من مال أزهق في سبيل هوى ضائع ! ، وكم من أحقاد دفينة بدأت تتنفس من خلال ستار رسمي ! ، وكم من صداقة أو قرابة ركبها الشيطان زعلا على غيرها ، لأنها لم تحضر حفل فوز حيواناته ! ، ياللعجب ! ، إنه نداء ملؤه الشفقة ، والتقديرية ، والعقلانية للجميع ، فحواه بأن أم رقيبة باتت تظهر لنا رقبة شر ، فهيا لوأد الفتنة فيها ، وأفكار التطوير في ذلك لاتخفى على كل أحد ، وما نقل حفل تسليم الجوائز إلى سمو الأمير مشعل بن عبد العزيز في مقر إقامته إلا نوع من وأد الفتنة المشار إليها أعلاه ، كما أن اقتراح تأجيلها كل ثلاث سنوات ، علاج آخر لتلك المشاعر المتشنجة تعصبا . متى نرى المجتمع متماسكا تحت ظل شريعة الله ؟ ، وتحت راية التوحيد الخضراء المرفرة عزا وشموخا ، وتحت ظل قيادتنا الحكيمة بولاة أمرها وعلمائها ودعاتها وشعبها ، متى نرى التنافس الجاد في ميادين الحياة وتخصصاتها العلمية المطلوبة تنافسا شريفا من أوسع أبوابه ؟ ، متى نرى في أم رقيبة المتخصصين في مجال الطب البشري عامة ، والطب البيطري خاصة ؟ ! ، يشرحون أمراض الإبل ، ويصفون الدواء لأدوائها ، متى نرى المحاضرات العلمية المتخصصة في كل ما يخص الإبل ؟ متى نرى المختبرات البيطرية ، والمعامل الدوائية الحيوانية تتنافس في علاج أمراض الإبل ، ؟ عارضة نجاحاتها واختراعاتها في هذا المهرجان لكل مستهلك ، بعيدا عن التعصب لفكرة جمل جميل ، وناقة أجمل ، إن التعصب والتشنج المشاعري ممجوج في كل شيء ، إذ يكفيه أنه يلوث المنافسة الشريفة فيقلبها عكسا ، فهيا لنظرة العقل الصائبة ، وهيا لميدان العلم والرجولة في كل سلوك إيجابي تكون الحياة معه بناء وتطورا وتطويرا ، وبعدا ثم بعدا من أن يصبح الحيوان غير العاقل ، قدحة شر بين أناس عقلاء ! ، أو أن يصبح امتلاك الحيوان الجميل في الحياة هو المقياس الوحيد للنجاح ، إذ لابد وأن نعلم أنه لن يرفع قدر الإنسان حيوانات يمتلكها لونها وضح ، أو ملح ، أو صفر ، أو حمر ، وإنما الذي يرفع قدر الإنسان في دنياه وأخراه ، تدينه ، وعلمه ، وسلوكه ، وقيمه ، ومبادؤه الجميلة عند الله ، وعند عقلاء خلق الله ، وثباته على ذلك حتى يلقى ربه ، فهيا لإيجابية السلوك الجميل ، ياعشاق الإبل الجميلة ، فأنتم أهل لذلك ، فليس النجاح الحياتي ، لون ناقة جميل ، أوسنام منها انفهق ، أو سبال ارتخت ، أو عين مكحولة ، أو آذان خرع ، أو كبر شعاف ، أو دق رقاب ، أو وبرة مبرومة ، بل الجمال جمال عقول الرجال وسلوكها ، والرجال بعقولها وسلوكها تعرف ، وكلنا أمل أن تكونوا بوادر خير في وأد كل فتنة لجيل قادم مع مستقبل زمن ، فالحياة مليئة بنسمات خيرة ، والخيرون في كل مجال هم القدوة .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *