دمـاء فـي الدمـام .


دمـاء فـي الدمـام .



في جمعة مباركة سابقة انقدحت شرارة شر في القديح ، ثم تلتها دماء في مدينة الدمام في الجمعة اللاحقة ، فتفاجأ المجتمع السعودي كله ، والمجتمع الإسلامي أجمع ، بعناصر شريرة ، تزرع الفتنة بين البشر ، وتبذر الشر في أوطانهم ، وتحاول زعزعة أمن بلاد الحرمين الشريفين بفكر غريب ذي عنف ودموية ، وربما كانت هي من أول حصاده ! ، تهدد النسيج الاجتماعي بسلوكها الدنئ ؛ محاولة تمزيقه وتشقيقه وتفريقه ، وتنشر الفوضى في البلاد للفساد والإفساد ؛ تريد حياة الفوضى ؛ للفوضوية التي تعشعش في أذهانهم وأفكارهم . ألسنتهم سليطة على أولي الأمر من الحكام والعلماء ، بضاعتهم من العلم مزجاة ، أسنانهم حديثة ، ونواياهم خبيثة ، لايقبلون التحاور ولا الحوار ، أفكارهم مشوهة مشبوهة ، مريضة عقولهم ، نتنة ذواتهم ، رخيصة أجسادهم وأرواحهم ، لم يراعوا للدماء حرمتها ، ولا للأوطان قيمتها ، ولا للقيم أصالتها ، ولا للمبادئ عدالتها ، ولا للأمانة نزاهتها ، ولا للعلماء نصيحتها ، ولا للمساجد قداستها ، ولا للجيرة كرامتها ، يساقون بمخططات غريبة لأهداف مكشوفة ، في معتقدهم خلل ، وفي فكرهم زلل ، وفي عقولهم خبل ، منهجهم التكفير والتدمير ، والتسفيه والتحقير ، لاعلم عندهم ولاحلم ، ولاسلامة ولاسلم ، دواب تدب في أرض الله ، مؤذية عباد الله ، حساباتهم التويترية والفيسبوكية تغص ببعض قذاراتهم ونجاساتهم ، في نفسياتهم إجرام ، صغار وسفهاء أحلام ، يحملون السلاح في بلاد الأمن والإيمان ، ويفخخون أجسادهم بقنابل الموت والصوت ، وينسفون حياتهم وحياة غيرهم بأحزمة ناسفة عاصفة ، أما علموا أن دماء شعبنا جميعا معصومة ، فكل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ، أما علموا أن من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة ، إذن بالضبط ماذا يريدون ؟ ! ، ولماذا هذا العداء والاستعداء ؟ ياهؤلاء أفيقوا ، إن العنف والدموية ضعف عقيدة ، وانهيار ثقافة ، واضمحلال مثل ، وسطحية تفكير ، ومرض روح ، ودونية عقل ، وضياع دين ، وهلاك معيشة ، وضلال رأي ، وفساد حال ، وسوء مآل ، وجهل سلوك ، وبطلان حجة ، وظلامية روح ، وانهزامية فكر ، وفرصة عدو ، ياهؤلاء أفيقوا ، إن إلغاء الآخر ديانة الضعفاء ، وإن لغة الدم والهدم هي طيش السطحيين ، وإن الإفساد عاقبته فساد ، وإن التدمير عاقبته دمار ، ياهؤلاء أفيقوا ، إن من جمال بلادنا كونها قبلة المسلمين ، فكعبة الله المباركة بين جنباتها ، ومسجد رسول الله بين ربواتها ، ولإن تنقض تلك الكعبة الطاهرة حجرا حجرا خير من أن يراق دم مسلم ، كما أن دماء المعاهدين من تسبب بإراقتها لم يشم رائحة الجنة بنصوص مقدسة ثابتة لاتقبل تحويلا ولاتبديلا ولاتعديلا ، يا هؤلاء أفيقوا ، مابال قلوبكم تحجرت ؟ ! مابال ضمائركم تجمرت ؟ مابال مشاعركم تخثرت ؟ ! ، مابال أجسادكم تطشرت ؟ ! ، ياهؤلاء أفيقوا ، إن بلادنا محسودة ، والفتنة يقظة موقودة ، فلاتكونوا من وقودها الذي يقودها . لاتكونوا لبلدكم وأهله حسادا ، فإن الحسد عادل ، حيث هو لصاحبه قاتل ، فلله در الحسد ما أعدله ! ، بدأ بصاحبه فقتله ، إن الحسد قطعة نار ، وإن جمر الحسد الذي في الصدور تجاه البلد والشعب والدور وولاة الأمور ، يطفئه العلم والعلماء ، والحكمة والحكماء ، والقضاة والقضاء ، والمتخصصون في كل مجال ، وما أكثرهم في كل مكان ! ، فإياكم أن تبيعوا أرواحكم ، وأجسادكم ودينكم ، ودنياكم ، وقيمكم ، وعقولكم لأفكار مسمومة ، تهلكون بها أنفسكم ، وتفرحون بها عدوكم الذي يتربص بكم من كل جانب ، تعايشوا في أرض الله تحت نظام دولتكم ، محققين ضرورات الحياة ، بما كفلته لكم شريعة الله ، فالإسلام سماحة ، وحيث إن الدين عند الله الإسلام ، فالإسلام للحياة جمعاء ، فكما أن للمسلم في دين الله حقوق ، فكذلك غيره له حقوق في ديننا ، بل إن ديننا الإسلامي الحنيف يتوسع من حقوق عالم الإنسانية إلى حقوق عالم الحيوانية وعالم البيئة أجمع ، ألم تدخل النار امرأة بسبب هرة عذبتها حتى ماتت ؟ ! ، أوليس ثابت دخول الجنة لامرأة بغي دخلت الجنة بسقيا كلب عاطش ؟ ! ، ألم يثبت في نصوص وحينا عن رسول الحياة محمد بن عبد الله – عليه الصلاة والسلام – أن رجلا دخل الجنة بغصن شجرة مؤذ أزاله عن طريق المسلمين ، فأصبحت إماطة الأذى سنة إلى يوم الدين ، فلماذا الإيذاء ؟ ولماذا تشويه الحق والحقيقة ؟ ! ، يا هؤلاء أفيقوا ، فلا مكان بيننا للطائفية ، ولا للمناطقية ، ولامجال لنتن العنصرية ، ولا للعنفية المنهجية ، ولا للسلوكيات الإجرامية ، إن النجاحات الدنيوية للجميع ، وربنا لايظلم أحدا ، انتظموا في نظام بلدكم ، ولايبغ بعضكم على بعض ، وانتهجوا نهج الأدب الرفيع والخلق الجميل والسلوك الإبداعي الأخاذ ، فحضارة الأمم بجمال أخلاقها ، فأنتم أبناء الوطن جميعا ، فلاتعقوا الوطن بتنافسية غير شريفة ، وأنانيات ضيقة مريضة سخيفة ، فالرب واحد ، والدين الحق واحد ، والقبلة واحدة ، ورسولنا واحد ، والأب واحد، والأم واحدة ، والوطن واحد ، واللغة واحدة ، والنظام واحد ، وكل إنسان مسؤول عن سلوكه في الدنيا والآخرة ، فلا تعصب لأحزاب ، ولاتشنج لطوائف ، ولا انتماءات لولاءات خارجية ، فإن كان لايجمعنا جميعا دين ، فلكم دينكم ، ولنا دين ، ولا إكراه في الدين ، والحساب عند رب العالمين ، وإن كنا لن نجتمع على وحي القداسة من النقل ، فلن نعدم أن نجتمع على جمال نتاج العقل ، وأن نجتمع متآلفين تحت نظام البلد ، فبلادنا جمال ، فيها الحرمان الشريفان ، ومنها انبثق الوحيان ، وعلى رايتها الخضراء تعاقب السيفان ، فحققوا المصالح ، وادرأوا المفاسد ، فالمصالح الجمعية المجتمعية خير من المصلحة الفردية الأنانية ، فالأنا البغيضة منهج خاسر في نظام الحياة . وأخيرا أهمس همسة : إن الإرهاب لادين له ، ولاجنس له ، ولا لغة له ، وكما أن الأحمق يغضب من الحق ، فإن العاقل يغضب من الباطل ، فكم هو مؤلم غاية الألم أن ترى عينيك أجسادا منتحرة ، وأخرى منحورة ، في يوم جمعة له قداسة وتقديس ، وصدق الشاعر وليد العازمي في قصيدته الشعرية

إذ قال : ليس التدعش منهجا في ديننا / فعن الكلاب ينزه الضرغام / في ديننا سفك الدماء كبيرة / والقتل في نص الكتاب حرام / إزهاق نفس دون نفس مأثم / وتدينه الأعراف والأحكام / ما منهج الإسلام إلا رحمة / وتحية الدين الحنيف سلام / ندعوا بموعظة إليه وحكمة / وتطيب تحت ظلاله الأعوام . . .

سلم الوطن وأهله من كل فتنة ، ورفرفت راية التوحيد الخضراء في ربوع بلادنا كلها ، أمنا وأمانا ، وعلما وتعلما ، وسعادة وإسعادا ، وعدالة وعدلا ، ووناسة وأنسا ، وإلفة وتآلفا ، وعونا وتعاونا ، وسماحة وتسامحا ، وحرمة واحتراما ، إننا في وطن جواهر فأين صاحب المخيط الذي يظهر لنا بمخيطه بعض جماله .


1 ping

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *