‎وقع أقدام همجية


‎وقع أقدام همجية


د/ سلطان التمياط
د/ سلطان التمياط
 
استشاري الجراحة - الشريك المؤسس جمعية السمنة - كاتب صحفي .

إقرأ المزيد
الانسان .. فايز المالكي
طبيب فوق العادة
‎وقع أقدام همجية
التفاصيل

(إن اخترتني خدمتك، وإن رأيت قدمت ومن معي من العسكر نجدة لك على القادم عليك، فإن كنت لا تأمن حضوري، سيرت لك العسكر صحبة من تختاره) الملك المظفر سيف الدين قطز. 1260م القاهرة.

.

كانت تلك الكلمات فحوى الخطاب التاريخي الذي أرسله سلطان مصر سيف الدين قطز إلى الملك الناصر في الشام بعد أن اجتاح التتار جميع الإمارات الإسلامية في المشرق العربي وأسقطوا بغداد عاصمة الخلافة العباسية. فعلوا ذلك بكثير من القسوة والهمجية يقتلون الناس بدم بارد، تستباح المدن وتحرق، دب الذعر في أرجاء العالم الإسلامي وتأثر الناس بالغ الأثر لسقوط الخلافة العباسية.

.

استطاع الملك الشجاع بطريقة مذهلة أن يجمع الشتات رغم التشرذم والفرقة ويرأب الصدع، طلب من الأمراء نبذ الخلاف وأصدر عفوا شاملا عن معارضيه، وقرر بشجاعة فائقة ألا ينتظر قدوم التتار إلى مصر، بل أعلن الحرب عليهم مبكرا حين قام بقطع رؤوس رسل هولاكو الأربعة الذين حملوا إليه رسالة تطالبه بالاستسلام والخنوع.

.

سار قطز بجيشه المظفر إلى سيناء وفي مقدمته الفارس الشجاع ركن الدين بيبرس الذي صالحه وألح عليه بالمشاركة وقطع وعدا على نفسه بأن يتنازل لهم عن الملك إن عادوا من نزال التتار. سلك الجيش طريق الساحل الشمالي محاذيا البحر الأبيض المتوسط نحو عكا مرورا بغزة حتى استدرج التتار نحو عين جالوت، حيث وقعت المعركة الشهيرة في عام 1260م، كانت الخطة محكمة للغاية ولا يتسع المجال لسردها، قتل زعيمهم هولاكو وأبيد الجيش بأكمله، لم ينج رجل واحد كي يبلغ حامية التتار في دمشق وحلب بما جرى لهم، بل إن القائد المنتصر قطز ذهب بنفسه لتلك الحاميات لينهي احتلالهم وليطهر أرض العرب والمسلمين منهم إلى الأبد.

.

حين نقرأ بتمعن التاريخ ونحاول فهم الحالة السياسية والاقتصادية للأقطار العربية والإسلامية إبان الغزو المغولي الوحشي والتي مضى عليها أكثر من 750 عاما، ثم نقيسها على وضعنا العربي الراهن فإنا نلحظ الكثير من التطابق والتشابه وكأن التاريخ يعيد نفسه!

.

إن ما يجري الآن في الشام من دمار وحرق لمدننا العربية من قوى الشر الفرس والروس وحلفائهم الذين تمت أدلجتهم بشعارات الثارات والمظلومية لأحداث مضى عليها 14 قرنا، لهو أشد بطشا وأكثر همجية مما فعله التتار، فبعد أن تم تدمير حمص ثم إدلب والآن تحاصر حلب لأكثر من عامين، وتمطر ليل نهار بشتى أنواع القنابل والمقذوفات وأمام مرأى العالم ومسمعه، إن مشاهد النساء الثكلى وهستيريا الآباء وهم يرون أشلاء أطفالهم ينتشلها المسعفون (ذوو القبعات البيضاء) من تحت الأنقاض تدمي القلوب والضمائر.

.

في ذات الوقت فإن قوى الشر القادمة من الشرق وحلفاءهم قاموا باحتلال بغداد وصنعوا خارجها خلافة أموية فعلوا ذلك بكثير من الخبث والدهاء، دعوا صغار السن والعقول في ديارنا لمبايعة الخليفة ونصرته، ثم التفتت قوى الشر نفسها نحو طائفة عاشت بيننا 14 قرنا بسلام ودبجت لهم فتاوى المظلومية وثارات الشهداء اختلطت الخرافات بالأساطير أتوا بها من كل الديانات جيشوا العاقل والمجنون، فأصبحوا حشودا بالآلاف تقطع النسل والحرث، وتحرق البيوت على أصحابها، ثم يمنحون صكا للجنة ومكانا مقدسا بين الأنبياء والشهداء.

.

لقد قيلت أشياء عديدة عن وضعنا العربي المعتم، والذي لم يعد بالإمكان من خلاله قراءة هذه الأحداث في سياق واحد، ثم إن الاختلاف حول تفسير هذه الحالة أفقدنا عاصمة تلو الأخرى حتى أصبحت قوى الشر تطوق أوطاننا.

.
إن العمل الذي يجب علينا جميع القيام به هو لفت الانتباه لهذا الخطر المحدق بنا، وفي اللحظة التي تسقط فيها حلب ومن بعدها الموصل وهما الهدفان الرئيسيان لقوى الشر وحشود الشيطان فإن عسكرها البالغ أربعمئة ألف سيتضاعف ويكبر دور عرابيهم حيث امتهنوا الخرافة وآمنوا بالأساطير والغيبيات، ولم يرتووا بعد من سفك الدماء، وبعد أن نالوا مؤخرا مرادهم وتم شرعنة وجودهم فإن أهدافهم ظهرت للعامة جهارا نهارا، ولم ينتقد عقلاء طائفتهم هذا السلوك بل التزموا الصمت حياله، في الوقت الذي نتهم به بالطائفية والتكفير والدعشنة في المرات التي ارتفعت أصواتنا نقدا ورفضا لهذا السلوك الهمجي البربري الخارج عن الدولة والقانون وعن العقل.

.

الآن ونحن نعيش عالما متغيرا ركيزته الأساسية الاقتصاد والمصالح وليست المبادئ والقيم الإنسانية، وفي ظل غياب حلفاء حقيقيين يجب ألا نعول على أحد غير الله جلت قدرته ثم سواعد أبنائنا وخيرات أوطاننا، وفي الظروف الحالية التي تعيشها مصر الإسلام والعروبة فإنه سيمضي وقت طويل قبل أن نأمل بأن يلبي (قطز) جديد نداء الواجب والتاريخ.

.

لقد حان الوقت أكثر من أي وقت مضى للاستعداد بما أوتينا من قوة وعقل وحكمة للتصدي لهذا الشر المتربص بنا والقادم من الشرق، فشعاراتهم الثورية القائمة على المظلومية والثارات والتي جندوا بها للأسف الشديد (بعض عربنا) ما هي إلا غطاء لثارات أزلية لم يستطع الفرس نسيانها، فتحطم عرش كسرى على أيدي أصحاب محمد، النبي العربي صلى الله عليه وسلم، عصية على الفهم والتصديق بالنسبة لهم رغم مرور قرون عديدة، كما أن محاولاتهم للثأر لم تتوقف قاموا بها مرات عديدة وبطرق مختلفة وتتوارثها أجيالهم. أما إذا بقينا على هذا الحال وهذا التشرذم والشتات فإننا لا محالة سنسمع وقع أقدامهم الهمجية على أبوابنا.


2 pings

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *