أميركا في قبضة القمر


أميركا في قبضة القمر



بعد طول انتظار كاد يُفقد ملايين العلماء والهواة والشغوفين بعلوم الفضاء صبرهم، بعدما توافدوا على مدى الأسبوع الماضي إلى الولايات المتحدة لمشاهدة ما يُعرف بـ «الكسوف الأميركي الكبير»، وبعد الدعاية الضخمة المستمرة منذ أسابيع، غطّى القمر الشمسَ وحجب نورها عند الساعة 16:06 بتوقيت غرينيتش أمس، مؤدياً إلى كسوف كلي للنور للمرة الأولى منذ 99 سنة.

تسلّحت الحشود، التي يقول الخبراء إنها الأكبر للمشاهدين في تاريخ البشرية، بالنظارات الواقية على امتداد شريط من الأرض يقطع الولايات المتحدة بشكل قطري، فجذب مشهد ظل القمر وهو يغطي الشمس كلياً ولا يترك سوى هالة من شعاعها، الكبارَ والصغارَ والهواةَ والمحترفين.

بدأ الكسوف شمال غربي الولايات المتحدة وامتدّ إلى جنوب شرقيها، محدثاً ذهولاً بين الناس في ظاهرة فلكية نادرة ومؤثرة احتشد من أجلها في مدن أميركية شتى ملايين الأشخاص من بلدان عدة.

في ولاية أوريغون الواقعة على الساحل الغربي، كان السكان والوافدون على موعد مع حجب القمر أشعة الشمس عند الساعة 9:05 بالتوقيت المحلي، وبعد 75 دقيقة أصبح الكسوف كلياً وحلّ الظلام الدامس في وضح النهار لمدة قاربت الدقيقتين وأربع ثوان في بعض المناطق.

وانتهت هذه الظاهرة في كارولاينا الجنوبية على ساحل المحيط الأطلسي عند الساعة 18:48 بتوقيت غرينيتش، علماً أن الولاية استقبلت مليوني وافد انضموا إلى سكانها في مراقبة الفضاء.

وشكل هذا الكسوف فرصة نادرة للعلماء للتعمق في دراسة الشمس وحقلها المغناطيسي وتأثيرها على غلاف الأرض الجوي، وهم يأملون بالاستفادة من إقبال الجمهور، وفيه طلاب وهواة لعلوم الفضاء، على مراقبة الحدث وتصويره بالعدسات الفضائية وأجهزة التصوير وأجهزة الهاتف، للحصول على صور ومعلومات عن كل مراحله.

ويقيم حوالى 12 مليون شخص في المنطقة التي يبلغ عرضها نحو 113 كيلومتراً وتمتد نحو أربعة آلاف كيلومتر طولاً، والتي حدث فيها الكسوف الكامل أمس. وكذلك ظهر كسوف جزئي للشمس في كل أرجاء أميركا الشمالية. يذكر أن آخر مرة حصلت فيها هذه الظاهرة في الولايات المتحدة وامتدت من ساحل المحيط الهادئ غرباً إلى ساحل المحيط الأطلسي شرقاً، كانت في عام 1918. ولطالما شكل كسوف الشمس مصدر ذعر وإلهام وتفسيرات أسطورية للبشر، من الصينيين الذين كانوا يعتقدون أن تنيناً يبتلع الشمس، إلى الفايكينغ الذين كانوا يظنّون أن ذئباً يمسك بها، قبل أن يشرح العلم أنها ظاهرة فلكية تفسّرها قوانين الفيزياء. وكان الأقدمون يصابون بالهلع حين تختفي الشمس فجأة في وضح النهار، وسادت في ثقافاتهم تفسيرات غيبية أسطورية لهذه الظاهرة تنسبها إلى الآلهة أو الشياطين أو الأرواح الشريرة.

في الصين، كان الأقدمون على اقتناع بأن تنيناً يوشك أن يبتلع شمسنا، فكان لا بدّ من طرده بسرعة بقرع الطبول والقرقعة بأدوات أخرى. وانقضى وقت طويل قبل أن يلاحظ البشر أن المسؤول عن حجب الشمس في وضح النهار هو القمر، وليس آلهة أو تنيناً أو حوتاً أو أرواحاً شريرة. وراقب الإنسان الكسوف منذ آلاف السنوات. ومنذ القرن السابع قبل الميلاد وحتى عام 50 بعد الميلاد، كانت مواعيد الكسوف مدوّنة على ألواح بابلية. وكان الصينيون يبدون اهتماماً كبيراً بالكسوف وبحساب مواعيد وقوعه.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *