الوعي السعودي ، وصندوق الكرامة الإنسانية


الوعي السعودي ، وصندوق الكرامة الإنسانية



وعيك هو صفة الحكم الذي يتميز إما بانسجام داخلي للفكر مع ذاته (الحقيقة في دلالتها المنطقية) وإما بتطابق الفكر مع الواقع وهي (الحقيقة في دلالتها الواقعية)، لنصل لليقين الذي يعبر عن حالة النفس إزاء الحقيقة أو بالأحرى إزاء ما تعده حقيقة، فنحن عندما نكون متيقنين من مسار الوطن نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية متمثلة في حق الزكاة من الغني للفقير دون منة أو إذلال، حينها يكون الشعور عادة ما يصحبه الاطمئنان، لذلك نرى اقتران اليقين عند (ديكارت) بالوضوح والتميز كما اقترن عند الغزالي باستحالة الشك فيه، فهو ما ينكشف في المعلوم انكشافًا لا يبقى مع ريب حتى لو قلبنا أمامه العصا ثعبانًا والحجارة ذهبًا فلن يورث ذلك من نفسه أدنى شك فيما عد يقينيًّا.
‏إيمانًا منا بما يعانيه الوعي الإنساني الحاضر من هشاشة في التفكير ليصل إلى ارتباك الوعي الذاتي والمجتمعي أمام قضايا تهم المواطن العادي في حياته الاجتماعية والضرورية لتتحقق الكرامة له في مال الغني عن طريق صندوق الكرامة الإنسانية، فنحن اليوم أمام انقسام على النفس في مسلمات معلومة من الدين بالضرورة، فهل ننقسم اليوم أمام الحوادث الكبرى في عالمنا الحاضر؟ فما وظيفة عمل الوعي لدينا حتى يمكن المواءمة بين القديم والجديد وبين الأنا والآخر وبين المعنوي والمادي وبين المبادئ والمصالح حتى لا يتعرض الوعي للمخاطر وتجعله ساحة لاجتماع المتناقضات التي تسبب له التمزق المعرفي والتشتت الناتج بفعل الإعلام المستهدف لتجربة التنمية الاقتصادية والبشرية والسياسية في المملكة الراشدة، ليتعرض المجتمع إلى التمزق، فأول المواجهة مع وعي المواطن الذي بات سمة من سمات إنتاجها الثقافي والحواري والسياسي أن الناس منقسمون إلى فريقين فريق أمام شاشات التلفزة والهواتف الذكية وآخر في شارع الوطن باحثًا عن لقمة الحياة.


‏إن الحديث إليكم عن تجديد الوعي لم يكن واردًا لولا اعتقادنا بقابلية وعينا للنمو، ولولا ثقتنا بإمكاناته في نقد ذاته وتجاوزها نحو وعي جمعي متكامل متجدد ومدرك بمهام الوعي الكبرى للتاريخ ليبني استقلاله بعيدًا عن سجن القلق وخارج معطيات البرمجة الثقافية، وذلك بغية الوصول إلى أفضل إدراك للحقائق المجتمعية، حيث يقف الواقع الموضوعي والتاريخي الذي يسعى إليه الوعي الذاتي للقبض عليه لتفكيك رموزه، وبناء واقع مكتمل متجدد باستمرار، فحركة التاريخ تأتينا كل يوم بابتلاءات جديدة تلقى الكثير من الاعتراض والحجب على أصول الشريعة وأركان الإسلام ومبادئنا الكبرى، فهذا لا يخفى علينا أننا نعيش في عصر روحه مادية وأوضاعه علمانية، ووضعية هذا العالم تؤدي بنا إلى مرض الوعي بالتشكك والتفكك والضعف أمام البث الفضائي وشبكات المعلومات.


‏إن تدفق الصور والرموز الثقافية أتاحت لنا المقارنات ليمر الوعي الذاتي عبر دوائر جغرافية تبتدئ بدائرة الحياة الشخصية ومرورًا بالدائرة المحلية والإقليمية، فهذه الدوائر المختلطة جعلت الوعي في حالة من التشكك والتشتت في التواصل الكوني، فالفكرة الشفافة والخطة الذكية والأسلوب الفعال لا تستمد مقومات نجاحها إلا بمقدار ما تستمدها من بنيتها الداخلية لتتسق مع السياق الحضاري والسياسي والاجتماعي الذي تعمل فيه بعيدًا عن البطء في متابعة الواقع الذي يجعل الوعي متخلفًا، وهذا التخلف يقع في حقول الأهداف وفي حقول الأساليب والوسائل ليصل للغايات بالتلاشي.

‏إن حالات الغياب التاريخي التي تعد الأمم في بعض اللحظات من تجاربها، ليست فراغًا لأن هناك فرقًا بين الفراغ والغياب وفي حالة الغياب فإن هناك دائمًا إحساسًا بأن كل غياب تعقبه عوده بصرف النظر عن المواقيت، وهكذا فإن حالة الغياب كثيرًا ما تكون فرصة ملائمة لتهيئة ظروف العودة وشروطها بما فيها : إلى أين بعد العودة؟

لحظة نور :
(إن أخشى ما أخشاه هو الاستلاب الفكري الذي يترك سبيل العلم العيني ويجري وراء أوهام الخطاب) جورج غوسدورف.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *