كـبـريـت كـلـمـة .


كـبـريـت كـلـمـة .



تبقى الكلمة ذات ثمن عند الإنسان القيمي السوي إلا أن فئة من البشر تقتات من اللسان ببضاعة مزجاة ، ولوكان على سبيل العقيدة والمبادئ والقيم والمشاعر وأجساد البشر ! وبئس القوت ! ، إن تأثير الكلمة المنطوقة والمكتوبة والمشارة عند بناة الكلم وصناع الحرف تأثير عميق يتعدى ربما حروف الهجاء في كل لغة إنسانية ، فالحروف حتوف ، ووراء حروف العواطف عواصف ، فربما كلمة لفظها لسان ضغطت شرايين قلب المخاطب ضغطا وتوترا وهما وقلقا وحزنا وألما ، ممن هم مرهفي الإحساس وحديثي خبرة الحياة فتصرف تصرفا يمجه الشرع العقل والإحساس ، إذ الكلام مشتق من الكلم ،( بسكون اللام ) والكلم : هو الجرح ، وبعض الجروح تزداد ألما وشرا مع مرور الزمن كما

قال الشاعر يعقوب الحمدوني :
وقد يرجى لجرح السيف بـرء …. ولا برءٌ لما جرح اللســان
جراحات السنان لها التـئـام …. ولا يلتام ما جرح اللســان
وجرح السيف تدمله فيبـرى …. ويبقى الدهر ما جرح اللسان

فكم من كلمة أدمت ؟ ! ، وكم من كلمة أحزنت ؟ ! ، وكم من كلمة هدمت ؟ ! ، وكم من كلمة أحرقت ؟ ! وكم من كلمة أزهقت ؟ ! وكم من كلمة فرقت ؟ ! … إن شعورا وإحساسا خلقه الله في نفس الإنسان تفعل به الكلمة الأفاعيل ، فقذف الكلمات غير المنضبطة تصنع لديه ثورة هيجان غضب لاحدود لها ، إذ كل إنسان له وضعه الخاص ، ومشاعره الفريدة ، وظروفه المحيطة به ، فانتبه لكليماتك مع البشر ، فربما كلمة كبريتية بعيدة عن العقل والأدب والشعور قدحت شررا فأشعلت نارا ! لايطفئها إلا خالقها سبحانه ! . إن السمع أرهف حاسة في حواس الإنسان ، وهذا يتطلب منا إلى أن نتعامل معه بذكاء لغوي متقد جميل ، يبني ولايهدم ، يشرح ويفرح ، لا يحزن ولايجرح ، إن من حق البشر على البشر أن يسمعوا ويستمعوا كلاما فيه أنسهم وسعادتهم واستقرارهم وتطورهم بل فيه امتثال لقول خالقهم : ( وقولوا للناس حسنا ) ، واتباع لقول رسولهم عليه الصلاة والسلام ( والكلمة الطيبة صدقة ) ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) ، إن الكلمة أمانة ، والنفس أمانة ، والبيئة المجتمعية أمانة ، فليكن تفاعلنا مع الطاقة الكلامية بيننا تفاعل إنتاج ، وحيوية واستقرار ، وأنس ، ولذاذة . وقربة إلى الله ، فكلماتنا في الذاكرة مخزونة ، وألسنتنا ستغرف ذاك المخزون وفق مقامية حال ، واستدعاء موقف ، إن العقل فاحص كلم ، وميزان عدل ، والهوى طريق شيطاني قاتل، والشيطان متربص بنا من كل جانب بدلالة كتاب مقدس ، وقد أخذ عهدا أن يسعى في إضلالنا من كل جهة ، لكن المصيبة الأخرى أن بعض أعوانه بشر ! ، إن بعض الكليمات غير المنضبطة قنابل تجر فتيلها لتعلن انفجارا يلحق الضرر بمحيطيه ومجاوريه ، فأين العقلاء ؟ وأين الحكماء ؟ وأين البلغاء ؟ والهناءة كلها لمن يشرح الصدر حديثه ، إن تكلم أمتع ، وإن صمت أقنع ، يزرع البشاشة على وجوه البشر ، والبسمة في شفاههم ، والحيوية في دنياهم ، ويحصد الاحترام والمحبة في الدنيا ، والفوز بالأجر الأخروي يوم يلقى الله ، فهنيئا لمن كان هذا نهجه مستمرا عليه إلى آخر نبضة قلب ، وزفير نفس .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *