ظهور تتقوس ! .


ظهور تتقوس ! .



[B]
بقلم : علي بن سعد الفريدي
تمر الحياة بنا متأملين فيها أحداثها ، سائرين فيها بتفكر ، مراقبين فيها هلال القمر وتدرجه في منازله ، وطلوع كوكب الشمس ثم غروبه في كل يوم ، وماعلمنا يوما ما ، أن الزمن له ثمن في تبدل القوة ضعفا ، وسواد الشعر بياضا ، والظهر المستقيم تقوسا ، إن معنا في حياتنا شخصيات عائشة ربما راقبت العينان بعض تبدل حالها ، هي كتاب نافع لمن يستطيع قراءته بتأمل وتفكر ! ، وماراقبته العينان فيها سيمر بنا مع الزمن إن كتب الله لنا مزيد فرصة عيش ، فعمر الإنسان يقصر كل يوم ليقترب من نهايته وأجله ، ولكل أجل كتاب ، إلا هناك بعض أمور تشد تفكيرك تأملا من خلال رحلة عيش في حياتنا الدنيوية مع كبار سن محترمين . إن لهم مع البياض قصة ، فسواد الشعر تعارك مع بياضه ، فانتصر البياض بقدرة الله في ظروف زمن مدفوعة الثمن ، والعينان بدأ يغزوهما مرض يشوش نظرهما استيقن صاحبها أنه بياض ماء مرضي ، يحتاج إلى سحب لئلا يعمي صاحبه فتتعقد المعالجة ، وبياض الأسنان بدأ يختفي لضعف مناعته ، وربما اختفت الأسنان كلها فبانت الثرمة بسقوط الثنايا ثم ماجاورهما يمنة ويسرة وصولا لطواحين الأضراس العلوية والسفلية ، فداء السكري عمره طويل مع صاحبه ومشكلته مع كل غذاء له اشتقاق من اسمه حينها تبدأ المعركة ، وميدانها جسد إنسان تقوس ظهره ! ،
كما قال الشاعر :
تقوَّسَ بعد طولِ العمرِ ظهري / وداستني اللـيالـي أيَّ دوْسِ
فأمشي والعصا تمشي أمامي / كأنَّ قوامها وتـرٌ بـقـوسِ
إن ظهورا كانت سيوفا مصلتة يوم ما ، يقوسها زمانها لتصبح قريبة من مادتها المخلوقة منها لتدفن فيها مغمدة مستورة ، وفي هذا يذكر أن صغير سن رأى كبير سن محدودب الظهر ، فقال ساخرا : بكم تبيع القوس ؟ ! فقال كبير السن : سيأتيك بلا ثمن مع الزمن . إن كبار السن الذين يعيشون معنا هم جمال حياتنا ، وعناوين أنسنا وسعادتنا ، وأرشيف بعض أحداث زماننا ، فوالله إن عينا تبصرهم تسر و تبتهج ، وأذنا تسمع نصحهم وتجاربهم ترتخي سعادة واستفادة ، وإن قلوبا تجالسهم تنبض أنسا وحياة ، إنهم عنوان الصبر والكرم والحلم والأدب والرجولة …. ، بل إنهم كتب تحتاج منا أن نقلب صفحاتها صبيحة كل يوم باحثين عن مهارات حياتية جميلة نتجت عن تجربة سالفة ، مازال لسان صاحبها ينطق ؛ راويا لها . إنهم مدرسة القيم والأصالة ومدرسوها ، وهم شواهد عصور ودهور ، بل إنهم بعض تأريخ ، فهم هدية من الله لنا ، إنهم أصولنا ونحن فروعهم ، وواجبنا تجاههم شيء كثير ، من ذلك ، إكرامهم في كل محفل اجتماعي ، واستقبالهم إن حضروا بما يليق ، و تصديرهم المجالس بكل احترام ، ووضع الأرائك عن يسارهم ، وإفساح المكان لهم ، والإنصات لتوجيههم العفوي الصادق ، ومجاراتهم بمداعبة لطيفة تدخل السرور عليهم ، وتقبيل جباههم برا واحتراما وتقديرا، و الدعاء لهم أثناء السلام عليهم مجيئا ، وتوديعا ، ووضع بعض وريقات زرقاء نقدية في جيوبهم الأمامية ، ومساعدتهم في كل دائرة حكومية ، بقضاء مايريدون بإيجاز وقت ومراعاة شعور، وفي هذا اقتراح جميل ، فلوخصص في كل دائرة حكومية قسم يزورهم في بيوتهم وعلى فرشهم للاطمئنان عليهم خاصة فيما يتعلق بدوائهم ، ومعاملاتهم المالية ، كان ذلك علامة وعي متميز، ورقي حضاري مشكور ، كما أن تخصيص بعض الكراسي لهم في المساجد دلالة خير ، وبر ، وتوفيق ، وإعانة لهم على فريضة الله وطاعته ، إن التسامح معهم شيء جميل ، كما أن إخراجهم للبراري الربيعية للتنزه واجب أبناء تجاه آباء ، وفرصة لإسعاد نفسياتهم ماداموا فوق الأرض قبل أن يدخلوا فيها . إن كبار السن تحف الزمان وجماله ، وعماقليل سيختفون ، وأصواتهم المسموعة ستنقطع يوما ما ، وسيكونون مجرد ذكريات تروى للأجيال ، هنا يشتد ولع النفوس بتذكرهم ، فالذكرى دائما حزينة ! ، ولها حنين ممرض ، فتذكروا ذلك ، قبل أن نكون نحن ذكريات قبلهم ، بفجائية قدر ! ، يتناقل الناس فيها الخبر ، فيقال : مات فلان ابن مقوس الظهر ، فالعمر عارية ، وقد كتب الله الفناء على جميع البشر ، أطال الله أعمارنا جميعا على طاعته ، وختم لنا بكل خير . [/B]


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *