«مكة».. كنز من مقومات التحول لمدينة إبداعية


«مكة».. كنز من مقومات التحول لمدينة إبداعية



أكد باحث سعودي أن مكة المكرمة يمكن أن تتحول إلى مدينة إبداعية، لما تتميز به من خصائص، وحقائق على أرض الواقع، وما يجري فيها من مشاريع حضارية عملاقة ومتنوعة، كما تبذل فيها جهود كبيرة لتعزيز الدافعية والتنوع والإنتاجية والرخاء لمواطنيها، معتبراً أن مكة مؤهلة لأن تكون على رأس أفضل 100 مدينة حول العالم.

وقال الباحث الدكتور سعيد العمودي في بحثه المعنون بـ«التحول الحضري من خلال الإبداع: تطبيق مفهوم المدينة الإبداعية على مكة المكرمة»، إن الإبداع كان وما زال شريان الحياة للمدن، وبالطبع جميع المدن حول العالم تواجه تحديات ضخمة في الجانب الاقتصادي والبنية التحتية والاجتماعية والبيئية، لذلك يترتب على ذلك تشجيع الإبداع في هذه المراكز الحضرية حتى تسمح للمبدعين بإيجاد حلول للمشكلات الحالية والمستقبلية التي تواجهها المدن.

وعرف الباحث المدن الإبداعية بأنها «هي التي تبذل جهوداً كبيرة لتعزيز الدافعية والتنوع والإنتاجية والرخاء لمواطنيها، وعلاوة على ذلك، عندما يكون هناك شغف في إشراك الناس في تبني طرق جديدة ومتنوعة للنظر في المشكلات التي يواجهونها، تصبح المدن أكثر إبداعاً».

وأكد العمودي أن استخدام مفهوم المدينة الإبداعية في مكة سيكون مفيداً لأسباب عدة هي: السعي لتحقيق رؤية المملكة 2030 باعتبارها مركز وقبلة 1.5 بليون مسلم حول العالم، وزيادة المعتمرين من ثمانية ملايين إلى 30 مليون معتمر بحلول عام 2030، وتحقيق رؤية 2030 بأن تكون ثلاث مدن سعودية ضمن أفضل 100 مدينة حول العالم، ومكة المكرمة مؤهلة لأن تكون على رأس هذه المدن.

وتتضمن الأسباب، إبراز الحلول المبتكرة والإبداعية التي تمت وتتجدد في المدينة من مختلف القطاعات، وصنع قصص إعلامية مميزه، مضادة لحملات التشويه الإعلامية التي تلتقط الأخطاء وتتغافل عن الإنجازات، وتحقيق التكاملية بين الخطط المختلفة في المدينة، بما في ذلك السياسات الحضرية، ويمكن استخدامها لتحفيز التخطيط الاستراتيجي والاستدامة في مجال التنمية الحضرية لتحسين البنية التحتية المادية لمكة المكرمة، وبخاصة من أجل التعامل مع الأحداث الدائمة والطارئة في الحج والعمرة.

ولفت إلى تعزز تحقيق الأهداف ذات الصلة بالاستراتيجيات الحالية، مثل تحسين نوعية الحياة للمواطنين، وتطوير حلول مبتكرة للتحديات، مشيراً إلى أن مفهوم المدن الإبداعية يعد مهماً لمدينة مكة المكرمة لزيادة الوعي بأهمية استثمار الفرص الاقتصادية والصناعية الإبداعية ذات العلاقة بمكانتها الكبيرة والفريدة للمسلمين، وذلك من خلال استقطاب المبدعين المسلمين من حول العالم، وتعزيز الاهتمام بالتراث والآثار الإسلامية الموجودة في مكة وتسجيلها في «اليونيسكو» وهي إحدى أهداف رؤية 2030، وتحفيز الصناعات الإبداعية في مجال الهدايا للحجاج والمعتمرين وخدمات الحج والعمرة، والخدمات الإلكترونية، وغيرها التي تسهم في رفع مساهمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الناتج الوطني.

وتساءل الباحث لماذا مكة المكرمة؟ وقال إن دول العالم تتنافس بشكل محموم لاستضافة كأس العالم أو الأولمبياد في كامل مدن الدولة، التي تستقطب أقل من مليون زائر من الجماهير، ومتابعة بليون شخص حول العالم، وعوائد اقتصادية بحدود ثلاثة بلايين دولار، ويكون أثر هذه المناسبة لا يمحى من تاريخ المدينة بسبب التغطية الإعلامية الكبيرة، وفي المقابل الحج أكبر الأحداث العالمية السنوية التي تستقطب ثلاثة ملايين مسلم قابلة للزيادة، وأيضاً مواسم العمرة تستقطب ثمانية ملايين مسلم خلال السنة قابلة للزيادة، فهل حجم الجهود وهذا الشرف الكبير يوازيه دعاية إيجابية وإبراز لها؟.

وكان الهدف الرئيس للبحث من تحويل مكة لمدينة دينية إبداعية – كأول دراسة في هذا الموضوع في الشرق الأوسط – هو لتحفيز الاهتمام بالإبداع والابتكار ليكون الوسيلة العملية للتنمية الحضرية، وتصور حلول جديدة مبتكرة لمواجهة التحديات التي تتزايد مع تزايد رغبة الملايين من المسلمين للقدوم إلى مكة.

وحاول البحث تطبيق مفهوم إيجابي ومفتوح للإبداع إلى مكة، بالاعتماد على المفهوم الرئيس للمدينة الإبداعية وهو استثمار تفرد وتميز المدينة وجاذبيتها بما يعود عليها بالنفع اقتصادياً وتسويقياً، إضافة إلى تحفيز المبدعين والمبدعات في دعم اقتصاد المدينة بالصناعات الإبداعية، أيضاً كيفية مواجهة المشكلات بالإبداع في إيجاد الحلول.

وقام الباحث بدرس متعمق للنظريات المختلفة للمدن الإبداعية، وأيضاً قام بدرس وتحليل ممارسة خمس مدن تبنت مفهوم المدينة الإبداعية وهي: فانكوفر بكندا، وغلاسكو ببريطانيا، وسدني في أستراليا، وبرشلونة في إسبانيا، ويوكاهاما في اليابان.

واستنتج الباحث نظريته الخاصة للمدينة الإبداعية بما يتوافق مع القيم السائدة في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، واختصره في نموذج CREATIVE، ومن خلاله قام بجمع البيانات عن مكة من خلال المقابلات والمستندات المختلفة والملاحظة العلمية. وأسهم النموذج في استقراء واقع مدينة مكة المكرمة في الماضي والحالي والمستقبل، المتعلق بالحلول الإبداعية للمشكلات عبر التاريخ، والاستعداد للمستقبل.

وأورد الباحث نقاطاً سريعة ومختصرة لأبرز النتائج بعد تطبيق نموذج CREATIVE على مكة، التي تؤكد تفرد المملكة ومكة على وجه الخصوص لأن تكون مدينة إبداعية.

ورصد الباحث جملة من الحقائق عن مكة المكرمة، منها أن كل ملك من ملوك المملكة يتشرف بحمل لقب خادم الحرمين الشريفين، وأمير مكة المكرمة من أكثر قادة مناطق المملكة نجاحاً وإنتاجية، ومكة من أكثر مدن العالم تنوعاً من الأعراق والثقافات، إذ تحوي أكثر من 100 عرق يكونون النسيج الفريد لسكان مكة المكرمة، كما أن الحجاج والمعتمرين يأتون من أكثر من 188 دولة في العالم، واختيار مشروع خيام منى ليكون واحداً من أكثر تجارب التنمية الحضرية ابتكاراً وتحسيناً للحياة في العالم في تاريخ المعارض العالمية، وذلك ضمن معرض شنغهاي العالمي عام 2010.

وتتضمن الحقائق، مشروع برج الجمرات، الذي يسمح بوجود خمسة ملايين حاج في وقت واحد، وأن عدد القوات الأمنية المشاركة في موسم الحج يبلغ أكثر من 95 ألفاً، وأن مكة من أكثر مدن العالم جاذبية في الاستثمار السكني والفندقي بنحو 500 بليون ريال (133 بليون دولار) عام 2015، وبرج ساعة مكة الملكي يعد ثاني أطول مبنى في العالم بعد برج خليفة في دبي، ومجموع سكان مشروع وقف الملك عبدالعزيز 65 ألف شخص. كما تم تنفيذ أكبر نظام لجمع النفايات التلقائي في العالم في عام 2013 في المنطقة المركزية من مكة المكرمة بطول 30 كلم وطاقة 600 طن في اليوم، ويوجد بمكة 62 نفقاً يبلغ طولها 30 كلم، ما يجعلها واحدة من أعلى مدن العالم في عدد الأنفاق، ومشروع الإفادة من لحوم الهدي والأضاحي كان نتيجة دراسات قام بها معهد خادم الحرمين الشريفين للحج، إذ تم توزيعها على 30 مليون من الفقراء واللاجئين في 27 بلداً في آسيا وأفريقيا، وكان إجمالي عدد الحيوانات المستخدمة منذ بداية المشروع قرابة 14 مليوناً.

وتشمل الحقائق وجود 1166 من الكاميرات والدوائر التلفزيونية في المسجد الحرام و4200 من الكاميرات والدوائر التلفزيونية في جميع أنحاء المشاعر المقدسة وجسر الجمرات، ويجري العمل في أكبر مشروع للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط، وتحويل مكة المكرمة لأن تكون أول مدينة خضراء في المملكة العربية السعودية، ومشروع مكة الذكية الذي يشمل الحكومة الذكية، والتنقل الذكي، والاقتصاد الذكي، والبيئة الذكية، والحياة الذكية، والصحة الذكية والخدمات الاجتماعية الذكية، والنظام الإلكتروني للعمرة الذي ينسق بين 100 جهة حكومية وقطاع خاص مع 3000 مكتب لخدمات الحجاج حول العالم، ونظام الإسوارة الذكية للحجاج والمعتمرين، لتسهيل الاستقبال والتنقل والمتابعة والمغادرة.

وبين العمودي أن من الحقائق المتعلقة بمكة نظام الترجمة الحية لخطبة الجمعة بأربع لغات، وأيضاً لغة الإشارة، ومشروع الملك عبدالله لتطوير مكة المكرمة الذي يشمل استكمال الطرق الدائرية الأربعة، وإيجاد محاور إشعاعية جديدة لسرعة تفريغ منطقة المسجد الحرام، ومشروع نظام النقل العام، الذي يشمل مترو مكة المكرمة بطول 114 كلم و62 محطة، إضافة إلى مشروع الحافلات بـ79 نقطة توقف، ومشروع مدينة الملك عبدالله الطبية بمكة بمساحة 3.5 مليون متر مربع، وسيضم 1000 سرير. ولفت إلى أن من الحقائق الخاصة بمكة مشروع بوابة مكة بمساحة 80 مليون متر مربع، سيضم سكناً لـ690 ألف شخص عند اكتماله، ومشروع واحات مكة بمساحة 670 ألف متر مربع، ويضم 4000 وحدة سكنية تتسع لـ25 ألف شخص من أصحاب الدخل المحدود، ومشروع رتاج السكني لموظفي المنطقة المركزية بمساحة 519.017 متر مربع، ومشروع جبل عمر سيضم سكناً لـ40 ألف شخص ومكان لصلاة 100 ألف مصلٍّ، ومشروع طريق الملك عبدالعزيز بطول أربعة كلم سيضم سكناً لـ197 ألف شخص، ومشروع جبل الشراشف بمساحة 1.7 مليون متر مربع، وسيسهم في إسكان 100 ألف شخص. وتحوي الحقائق الخاصة بمكة مشروع حل مشكلة العشوائيات بالشراكة مع القطاعات الحكومية كافة المختصة والسكان، ومشروع حل مشكلة 500 ألف شخص من الجالية البرماوية في مكة وتوفير وسيلة عيش كريمة لهم، ومشروع المحافظة على هوية مكة بمشاركة نشطاء من المواطنين والمختصين.

 

 

تحديات تواجه المدينة المقدسة

< أشار الباحث سعيد العمودي إلى التحديات التي وجدها في مكة المكرمة وتحتاج إلى حلول أمثل، وأنه تم تدمير العديد من المواقع التاريخية والأثرية في المدينة من جراء الكوارث الطبيعية أو المزيد من التغييرات الأخيرة التي من صنع الإنسان التي تقتضيها التوسعات والمشاريع السكنية، كما يعتقد كثير من المسلمين والمواطنين السعوديين أن مكة المكرمة تم تحويلها وتسويقها على مدى العقود الأخيرة لتصبح مدينة حديثة وتجاهل الهوية الدينية والروحية.

ومن التحديات أنه خلال التحسينات والتوسعات في مكة المكرمة، تلك الآثار القديمة التي كانت تقع في المناطق الخاضعة لإصلاح لم تلق الاهتمام والحماية والرعاية التي من شأنها أن تساعد على الحفاظ عليها باعتبارها مواقع التراث الإسلامي والإنساني، وضعف التعاون والتنسيق بين الجهات الحكومية المختلفة في مكة وغيرها من الوزارات، ووجود متحف رسمي واحد فقط في مكة المكرمة، ومحدودية الترفيه للمقيمين والزوار من خلال المرافق والفعاليات والمهرجانات المحلية.

وأوضح العمودي أن التحديات تشمل ضعف مشاركة المواطنين في التخطيط ومتابعة المشاريع، وضعف الاستفادة من الحج والعمرة اقتصادياً للناتج المحلي الإجمالي، وضعف الاستفادة من جاذبية مكة المكرمة لجميع المسلمين في جميع أنحاء العالم، وضعف التعرف على مواقع التراث الإسلامي وتجهيزها للزيارة بشكل ملائم، وضعف في إدراك أهمية الصناعات الإبداعية المختلفة بما يعود بالفائدة للناتج القومي والنفع الخاص للمواطنين والمقيمين.

 

 

سعيد العمودي في سطور

< حاصل على دكتوراه المدن الإبداعية من جامعة سالفورد ببريطانيا عام 2016.

– حاصل على ماجستير الإعلام الإبداعي من جامعة برايتون ببريطانيا عام 2010.

– منسق عام الأنشطة ضمن الهيئة الإدارية لأندية طلاب بريطانيا وأرلندا 2012.

– رئيس لجان التدريب والمعرض والبرنامج في المؤتمر العلمي السعودي السادس بجامعة برونيل بلندن 2012.

– نائب رئيس نادي الإعلاميين السعوديين في بريطانيا 2013

– كرم ضمن الطلاب المميزين دراسياً وبحثياً في اليوم الوطني من السفير السعودي ببريطانيا وأرلندا الأمير محمد بن نواف عام 2014.

– نشر ثلاثة أبحاث علمية محكمة في مجلة علمية وكتابين.

– عرض أبحاثه عن مكة في سبعة مؤتمرات علمية في بريطانيا، وفرنسا، وبولندا، وماليزيا.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *