المقاتل «غير المتوقع» يربك الاسرائيليين ويذهل الفلسطينيين


المقاتل «غير المتوقع» يربك الاسرائيليين ويذهل الفلسطينيين



أصيبت اسرائيل، بمجتمعها ومؤسستها الامنية، بصدمة وارتباك شديدين عقب الهجوم المسلح الذي نفذه الأسبوع الماضي «مقاتل غير متوقع» هو نمر الجمل (37 عاما)، وهو أب لاربعة اطفال، وحاصل على فحص أمني إسرائيلي متكرر منذ 15 عاماً.

وتستخدم اسرائيل معايير صارمة في الفحص الأمني المخصص للفلسطينيين قبل منحهم تصاريح دخول وعمل، مثل السن، والحالة الاجتماعية (متزوج ورب أسرة)، والتاريخ الامني (معتقل سابق)، والاهتمام بالشأن السياسي (يعبر عن آرائه السياسية، خصوصا دعمه النشاط المسلح ضد الاحتلال)، والعلاقات الأسرية مع ناشطين ومقاتلين وغيرها.

ودأب نمر على اجتياز الفحص الأمني الاسرائيلي مرة كل ستة أشهر لانه رب اسرة كبيرة نسبياً، واهتمامه منصب على الرياضة، وبعيدٌ عن اي اهتمام بالسياسة.

وفي المستوطنة التي عمل فيها نمر طيلة 15 عاماً (هار أدار)، والتي لا تبعد أكثر من 150 متراً عن قريته بيت سوريك شمال غرب القدس، عرف المستوطنون نمر شاباً مسالماً، واعتاد بعضهم دعوته الى حضور حفلات زفافهم، وفق ما نقلت عنهم وسائل اعلام عبرية.

وصباح الثلثاء الماضي، استل نمر من تحت ملابسه مسدساً وصفته الصحافة العبرية بأنه «قديم وصدئ»، واطلق النار على رجال الشرطة والأمن اثناء الفحص الصباحي على مدخل المستوطنة، وقتل ثلاثة منهم فورا وأصاب الرابع، قبل ان يتمكن جنود آخرون من اطلاق النار عليه وقتله.

وانشغلت وسائل الاعلام الاسرائيلية في الاسبوع الاخير بإجراء مقابلات مع رجال امن ومراقبين ومستوطنين بحثاً عن تفسيرات لما اسمته «القاتل المناوب» من الفلسطينيين الذين يحتكّون بصورة يومية مع الاسرائيليين، سواء في العمل او في الاسواق او الطرق او القطارات والحافلات وغيرها.

وعزا بعض قادة الامن العملية التي نفذها نمر الى مشاكل اجتماعية يواجهها مع زوجته، مشيرين الى بيان كتبه في اليوم السابق على صفحته على موقع «فايسبوك»، وخاطب فيه زوجته قائلاً انه يعتذر اليها عن المشاكل الاخيرة بينهما.

لكن عائلة نمر تعتبر ذلك محاولة اسرائيلية لخداع الذات، وتجنب البحث عن الاسباب الحقيقية. وقال عمه موسى (70 عاما): «لو ان كل رجل اختلف مع زوجته نفذ عملية مسلحة، فلن يبقى اي رجل في فلسطين». واضاف: «كل الأسر يشهد خلافات، لكن هذه الخلافات لا تؤدي الى القيام بعمل مسلح».

وترى عائلة نمر ان السبب الحقيقي وراء اقدامه على هجوم مسلح، وهو يدرك ان مصيرة الموت، يعود الى الظروف القاسية التي يعيشها تحت الاحتلال. وقال عمه: «شخص يعيش كل يوم الاذلال على ايدي الاحتلال قد يفعل اي شيء». واوضح ان الاسباب الحقيقية هي في المسار اليومي للعمال الذين يتوجهون الى اسرائيل، مشيراً الى انهم يمرون في مراحل طويلة من الاذلال، بدءاً من الاصطفاف للحصول على تصاريح العمل او لتجديدها بصورة دورية، مروراً بالاصطفاف على الحواجز العسكرية، ثم الفحص الامني على مداخل التجمعات والاسواق، ثم المعاملة اثناء العمل، وليس اخيراً المعاملة المهينة اثناء العودة. وقال: «نحن لا نعرف، نمر رحل ورحل سره معه، لكن السؤال عن السبب لا يبدو منطقياً امام ما يعيشه الفلسطينيون».

وصادرت السلطات الاسرائيلية معظم اراضي قرية بيت سوريك والقرى المجاورة واقامت عليها المستوطنات، وحولت اصحابها الى عمال في ورش البناء. وبعد عملية نمر، اقدمت السلطات على اغلاق الطريق الرئيس المؤدي الى البلدة لايام منعت الجميع من الدخول اليها والى القرى المجاورة، بمن فيهم تلاميذ المدارس ومعلموها.

وقال رئيس بلدية بيت سوريك احمد الجمل (60 عاما) انه حاول الخروج من البلدة الى المستشفى للعلاج، وهو يعاني من حالة مرضية طارئة، الا ان الجنود منعوه. واضاف: «شاهدني الجنود وانا في حال يرثى لها، وقلت لهم اني رجل كبير في السن، ومتجه الى المشفى للعلاج، لكنهم رفضوا».

وادى اغلاق القرى التي يبلغ تعداد سكانها 50 الفاً الى اغلاق المدارس التي تضم آلاف التلاميذ. ورأى رئيس بلدية بيت سوريك ان العقاب الجماعي الذي يتعرض له الفلسطينيون يشكل حافزاً لدى الكثيرين لمحاربة الاحتلال، وقال: «استغرب من الاسئلة التي يطلقها الاسرائيليون عن الاسباب التي دفعت نمر للقيام بهذه العملية، لأن الجواب يكمن في ممارساتهم».

وتعمل النسبة الاكبر من ابناء بيت سوريك والقرى المجاورة التي تقع على شارع واحد يسمى شارع النفق، وتغلقه اسرائيل في اي حدث في المنطقة، عمالاً في اسرائيل. وقال رئيس البلدية: «لا يوجد خيار آخر لابناء القرية والقرى المجاورة سوى العمل في السوق الاسود في اسرائيل». وأضاف: «صادرت اسرائيل ارضنا، ودمرت اقتصادنا، ولم يتبق لابنائنا كثير من الفرص سوى العمل عند الاسرائيليين». واضاف: «لا اعتقد ان احدا يتوجه يومياً للعمل في المستوطنات يحب عمله، وعندما لا يحب الانسان عمله، فإنه لا يعيش مرتاحاً، وقد تتوقع منه اي شيء».

وكما فاجأ نمر الاسرائيليين واربكهم، فإنه اذهل الفلسطينيين أيضا. ونشرت صور نمر وتفاصيل العملية التي قام بها على مواقع التواصل الاجتماعي مرفقة بالكثير من عبارات التقدير والاشادة، ووصفه البعض بأوصاف بطولية مثل «نمر فلسطين».

وتخشى اسرائيل من ان تتحول حالة نمر الى ظاهرة واسعة، وفق ما كتبه العديد من المعلقين. اذ تشهد الاراضي الفلسطينية منذ تشرين الاول (اكتوبر) عام 2015 سلسلة عمليات وهجمات ذات طابع فردي غير منظم. وكثيراً ما فاجأ المهاجمون غير  المتوقعين، الاسرائيليين والفلسطينيين على السواء، ومنهم شاب مثقف وقف وراء اكبر تظاهرة ثقافية في فلسطيني تسمى القراءه حول اسوار القدس، وايضاً عمال وطلاب ورجال شرطة وامن وتلميذات صغيرات في السن.

ويعزو المراقبون الطابع الفردي للعمل الوطني في هذه المرحلة الى تراجع دور الحركة الوطنية ومكانتها، والتي ذابت في السلطة وفي النظام السياسي الذي تكون مع انشاء السلطة الفلسطينية.


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *