وعدتّ يا رمضان


وعدتّ يا رمضان


منذ يومين استهلت علينا أيام الخير وليالي البركة ، أيام الصيام وليال القيام ، شهر رمضان المبارك ، لؤلؤة النور في عِقد الشهور ، شهر القران والإحسان والرحمة والغفران والعتق والنجاة من النيران .

.

عاد علينا بفضل الله وكرمه ونحن في خير وعافية وأمن وأمان ، اختارنا تعالى لبلوغه من بين كثيرٍ قُبضت أرواحهم قبل شروق شمسه ، وبغلناه بعد أن تاقت أرواحنا إليه بكثير من ترقبٍ وانتظار ، جاء ليغسل القلوب وينفض الأوزار ، وليجمع الأمة على أداء فريضة واحدة في زمن واحد بروحانية عظيمة تملأ الكون خضوعاً وخشوعاً وابتهالاً ودعاءً .

.

الناس فيه سواسية لهم ذات الفقر والحاجة ، لا فرق في نهاره بين غني وفقير تجمعهم حاجة الرشفة واللقمة و مائدة ذات ميعاد واحد .
وفي ليله يقفون بصف واحد لهم نفس المسألة ، بذكر واحد وكفٍ ضارعة واحدة ، يطلبون رضا الله ومغفرته والفوز بجنته والنجاة من النار .

.

يكثر فيه البر والإحسان والصدقة وصلة الأرحام ونرى فيه صوراً عديدة و عظيمة للتكافل والألفة والمودة والرحمة إذ القلوب مهيأة للامتثال والاستجابة ، قريبة من ربها وأهلها ومجتمعها .

.

فلا غرو أن تستعيد فيه الأرواح طمأنينتها التي أبلتها الأيام بهمومها وأحزانها ، وتلتمس فيه القلوب صلاحاً ونوراً يضيء فيها ما أطفأه الوهن وران عليه الذنب .

.

يأتي هذا الشهر ليأخذ بيد العاصي ليتوب والمقصر ليستدرك والمطيع ليجتهد ، تصدح فيه المحاجر بالقرآن و كأن الكون كله يقرأ ويرتل ، ويئط فيه الفضاء بالاستغفار والدعاء والتسبيح والتهليل والتكبير وأدعية متفاوتة تحمل على أجنحتها حاجات العباد ومسألتهم وتعرج بها إلى سميع مجيب لا يرد سائله .

.

السماء فيه دائمة الإشراق والنور ، بخلاف كل الشهور ، نراها متوهجة وضاءة ليلها كنهارها وكأن شمسها لا تغيب ، أو لكأنها تلتمس ضياءها من صعيد الأرض الطاهر في محاريب المساجد و ما تحت الجباه الساجدة والقلوب المنكسرة ، فيشتعل النور في الأكوان والقلوب معاً ، فلا نرى إلا نوراً وضياء أينما قلبنا قلوبنا وأبصارنا على مدى أيامه ولياليه .

.

فهنيئا لنا ولكم بلوغه وبارك الله لنا في أيامه ولياليه وأعاننا فيه على الصيام والقيام وجعلنا من المقبولين وممن يبلغ ليلة القدر فيقومها إيماناً واحتساباً فيغفر ذنبه وتعتق رقبته من النار .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *