ضيف في صيف .


ضيف في صيف .


علي بن سعد الفريدي
علي بن سعد الفريدي
   
كاتب صحفي - مهتم باللسانيات وآدابها

إقرأ المزيد
خطوات إلى الصحراء
عمار يادار .
عيد في زمن كورونا
رحلة إلى لقاح
زمان ينجب أبطالا .
التفاصيل

أيام قلائل ، وتتراءى العيون هلال رمضان بعد تمحقه وولادته ، وإعلانه من جهات الشأن والاختصاص ، فيتباشر الناس بشهر الله الفضيل ، تهنئة وتبريكا ، وسؤالا للتوفيق والإعانة والقبول ، ومع ذاك الزمن المقدس بنص الوحييين المقدسين ، سيتغير فيه سلوك البشر لمن يتأمل ، بداية بالعبادات المشروعة فيه من الصيام والقيام والإنفاق وتلاوة القرآن والزيارات والصلات والمسارعة في الخيرات … إذ ستلحظ فرقا واضحا، وبونا شاسعا في السلوك والمسالك ، والشعور والمشاعر ، ولعل سبب ذلك هو رحمة الله بنا في أن تسلسل فيه الشياطين الماردة ، وتفتح فيه أبواب الجنة الباردة ، وتغلق فيه جهنم وأشوابها وأبوابها ، وبثنائية تأمل أخرى ، سينال التغيير بعض العادات الاجتماعية التي ستتغير حتما مع ذاك الزمن المقدس ، فعادة النوم الصحي الليلي قد تودع في هذا الشهر الفضيل ليحل محلها السهر المضر وتأجيل نوم الراحة إلى وقت النهار بداية من إشراق شمسه ! ، خاصة وضيفنا هذا العام سيكون في جو قائظ ، سمومي الهواء ، لاهب الحرارة ؛ لحكمة يريدها الله في المكان والزمان ؛ إذ التدبير والتقدير بيده – سبحانه – وهو العليم الحكيم ، فبعض البلاد من أرض الله في هذا العام ساعات صيامها تصل لإحدى وعشرين ساعة ، وفي بلاد أخرى يكون مقدار صيام الشهر فيها عشر ساعات ، وفي بلدان أخرى يتوسط مقدار ساعات الصيام إلى خمس عشرة ساعة ، مما يتوجب هنا المصادقة مع الفرش الوثيرة ، ومجاورة أجهزة التكييف في نهار ذلك الزمن الفضيل في كل مكان توجد فيه تلك الأجهزة ولو بعضا من الوقت ، فالنفس له حق مع الحقوق الأخرى تجاه الخالق وتجاه المخلوق ، والحمدلله على كل نعمة تيسير ، وبثلاثية تأمل وتفكير أخرى ، تدرك بأنه سيتغير طعام المسلمين وشرابهم مع هذا الضيف المبارك مما رزقهم الله من الحلال الزلال ، بظهور أطعمة وأشربة غابت عن العين بعض زمن . أطعمة وأشربة تعددت ألوانها ، واختلفت أذواقها ، وازدانت الموائد بها ، إذ لكل وجود طلب ، ولكل مذاق شهوة ، ولكل عينين منظر ، وبرباعية تأمل ونظر ، ستظهر مناظر جميلة في مجتمعات المسلمين تسر الناظرين ، وتبهج المخلصين ، محققة بأن شهر رمضان شهر بركة وبر وإحسان ، إذ هي مشروعات تفطير الصائمين ، في البقاع الفسيحة حول الأسواق ، ومجامع الناس ، وفي المساجد وربما على حافة الطرقات ، إذ تمد السفر والموائد لله رب العالمين ، نيلا لرضاه ، ورجاء للقياه في يوم الجزاء والدين ، إذ ترى الناس تتسابق لخدمة بعضهم بعضا قبيل الغروب ، في منظر تنكسر فيه النفس غاية الانكسار ، بتواضعية منهج ليته يدوم مع كل نبضة قلب ، وزفير وشهيق نفس ، إذ اللحظة هذه كافية ؛ لتعرف النفس حقيقتها بهدوء وتأمل ، إذ هي لحظات تغيب فيها العنصريات ، والجنسيات ، واللغات ، لتبق رابطة الأخوة الإسلامية فوق كل اعتبار ؛ ( إنما المؤمنون إخوة ) ، وهي الحقيقة التي تغيب عن بعضنا ، بجهل منا ، أو غفلة ، أو بتلبيس عدو البشرية الأول إبليس المارد وأعوانه . في لحظات الغروب ، تنكسر النفس ، بعد أن ذاقت ألم الجوع والعطش ، وأحست بما يحس به الفقراء وذوو الحاجة ولو بجزء من الزمن يسير، حيث إن ألم الفقر عند الفقراء ربما طويل هو ، وفي منهجية استمرارية أيضا ؛ إن لم نع وندرك حقيقة واجبنا تجاههم ، من البذل والعطاء والإحسان والسخاء ، فعجبا للإنسان الذي لا يعطف على أخيه الإنسان ، في شهر رمضان ، وهو يتلو القرآن ! . إن شهر رمضان شهر مبارك ، له عظمته ، وفضائله ، وأسراره ، فبركته محسوسة ، في الإيمان ، والإحسان ، والإنسان ، فإنسان رمضان في إيمانه وإحسانه فرق كبير عن إنسان الشهور الأخرى ، ولاغرابة ؛ فالقدوة هو محمد بن عبدالله – عليه الصلاة والسلام – فقد كان أجود الناس وكان أجود مايكون في رمضان ، فكونوا حسن الاتباع لنعم القدوة ، وأخيرا هاهي همسة محب لمن يحب : رمضان سيأتي ، وبلوغنا إياه غيب عند الله ، فلنكثر من سؤال الله بلوغه ، والتوفيق للعمل الصالح فيه وقبوله ، فكم من نفس سيجتمع المسلمون عليها بصلاة لاركوع فيها ولاسجود قبل إدراك الشهر وإعلان دخوله ، رحماك رحماك يارب ، بلغنا شهرنا ، وأعنا على صيامه وقيامه ، واجعلنا فيه من المقبولين ، ولنعلم أن وقت الصالحات مستمر حتى آخر نبضة قلب ، وانقطاع نفس ، وشخصة بصر ، وتيقن رحيل ، فهيا للصالحات قبل تلك اللحظات .


1 ping

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *