“الترفيه الحياتي ضرورة”


“الترفيه الحياتي ضرورة”


علي بن سعد الفريدي
علي بن سعد الفريدي
   
كاتب صحفي - مهتم باللسانيات وآدابها

إقرأ المزيد
خطوات إلى الصحراء
عمار يادار .
عيد في زمن كورونا
رحلة إلى لقاح
زمان ينجب أبطالا .
التفاصيل

خلق الله النفس البشرية بعلم وقدرة وحكمة، وأودع فيها من الأسرار مايعلمه الله ، ويجهل كثيرها البشر ، إذ إن محيط البشر من العلم قليل ، ولو اجتهدوا في تلمس بعض حقيقته وماهياته ، ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) ، إن كثيرا من النفوس يدرك علمها ذووها ، ويعلم أسرارها أهلها ، وكل نفس بشرية هي أمانة عند صاحبها ، لها عليه حقوق ، كما لربه عليه حقوق ، كما لأهله عليه حقوق ، مما يتطلب نظرا توازنيا ، وسلوكا عادلا منعشا ، في العيش الحياتي بما يضمن السلامة والسعادة والصواب لكل ذي حق .

إن النفس البشرية يصيبها الملل والإعياء والإجهاد ، ممايتطلب وقتا لإراحتها ، وإزالة طاقتها السلبية بكل سلوك ترفيهي مقبول شرعا وعقلا ، فكما أن العمل ضرورة نفس وجسد ، كذلك الترفيه هو الآخر ضرورة أخرى .

إن نفسا بشرية تعطي نفسها حقوقها ، وتكافئها ترفيها مقبولا ، وتنفس عنها طاقة سلبية اكتنزت جسدا من طول عمل مع طول زمن ، هي نفس بإذن الله تسير بوعي في عيشها الحياتي ، وتدرك أثرا إيجابيا في عملها ونشاطها ونظرتها للحياة وأهل الحياة بإذن الله .

إن الترفيه نشاط ملموس مختلف بين البشر لاختلاف الأذواق والأفكار ؛ لتنفيس طاقة سلبية مكتنزة ، وشحنها بطاقة أخرى إيجابية تعين بعد الله على صفاء الذهن وراحته ، وتعمل على زيادة الإنتاجية ، وتذكي روح حياة لذيذة متجددة ، ويستشعر صاحبها سعادة داخلية يظهر أثرها على وجنات وجه مبتسم بابتسامة ساحرة .

إن الترفيه الحياتي الشخصي له أهمية قصوى في حياة الإنسان يدرك ذلك علماء النفس وعلماء الاجتماع وذوو الخبرة بالسلوك البشري ، حيث إن الترفيه يضبط توازن الشخص وانفعالاته ، وينفس ضغوطه وإجهاداته ، وينشط روحه واتصالاته ، وينمي فكره وعلاقاته ، ولعلك تدرك بإحساسك ، وقوة حدسك أثر السعادة في وجوه السواح أثناء قضاء فترة ترفيههم ، فألسنتهم عسل يتقاطر ، ومشاعرهم أمواج سعادة تتقاذف ، ووجوههم تضيء نورا يحكي فرحا حكايته برمجة تفكير صحيح ، وسلوكهم يحكي سرورا يسر الناظرين .
إن النفس البشرية لها حدود في طاقتها وتفكيرها وإنتاجها ومشاعرها ، فإذا زاد الإجهاد عليها أصبحت معرضة للهلاك والمرض والخلل الذي ربما تتعطل معها الحياة .
إن العمر مراحل متعددة ، لكن مرحلة الشباب تتطلب وعيا دقيقا في قضية الترفيه تفكيرا وتطبيقا ، حيث إن الشباب عبارة عن متغيرات جسدية ونفسية وسلوكية ، وهي مقومات الشخصية الإنسانية بعد ذلك ، وكما أن مرحلة الشباب تنقضي بزمنية محددة ، إلا أن هناك مايسمى بروح الشباب الذي ينتهج الاستمرارية مدى الحياة الشخصية ، مادامت العقلية واعية ، والمشاعر مرفهة إيجابية ، والتفكير يتم بطريقة إبداعية ، وفي ذلك يقول الفيلسوف الكبير شاعر العربية الأكبر ( أبوالطيب ) أحمد بن الحسين ( المتنبي ): –

وَفي الجِسمِ نَفسٌ لا تَشيبُ بِشَيبِهِ ”
” وَلَو أَنَّ ما في الوَجهِ مِنهُ حِرابُ

لَها ظُفُرٌ إِنْ كَلَّ ظُفرٌ أُعِدُّهُ ”
“وَنابٌ إِذا لَم يَبقَ في الفَمِ نابُ

يُغَيِّرُ مِنّي الدَهرُ ما شاءَ غَيرَها ”
وَأَبلُغُ أَقصى العُمرِ وَهِيَ كَعابُ

إن الترفيه المنضبط المنظم له سر عجيب في بقاء البشر بأفضل حال ذهنا وسلوكا وشعورا ، كما أنه وجه خفي للتربية ، فهيا للترفيه المنضبط ذوقا وعقلا وشرعا نتذوق حلاوته ، وننبض سعادة مع ممارسته ، ونستمتع في حياتنا شهيقا وزفيرا بما أباح الله ، فالحياة بلا ترفيه لاتطاق ، بل هي نار حطبها أضلاع صدر محدبة ، ودخانها زفرة رئة مكتومة ، ورمادها كآبة مشاعر وشعور ، وإليكم هذه المقولة الشهيرة لأحد صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( إني لأستجم لقلبي بشيء من اللهو ؛ ليكون أقوى لي على الحق ) ، وفي الأثر الذي يرويه البخاري – رحمه الله – : ( كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال ) .

فهيا لحياة عملها متقن حسن ، وترفيهها منعش ذو ثمن ، بتخطيط جميل ذي شجن ، فالتفكير إبداع وفن ، والدنيا نهايتها كفن .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *