” مدن تسكن أودية “


” مدن تسكن أودية “


علي بن سعد الفريدي
علي بن سعد الفريدي
   
كاتب صحفي - مهتم باللسانيات وآدابها

إقرأ المزيد
خطوات إلى الصحراء
عمار يادار .
عيد في زمن كورونا
رحلة إلى لقاح
زمان ينجب أبطالا .
التفاصيل

يبقى الإنسان السوي العاقل محبا لبلده ولأهل بلده ، مظهرا حسن الانتماء والأدب والمنطق معهم ، ساعيا بالخير للجميع ، بعيدا عن الشر مجتنبا له ، ناصحا برفق ، ومنتصحا بأدب ؛ إذ حب البلد غريزة في النفس ، وجينات في العروق ، يغذيها دم الأصالة والقيم والشيم والمبادئ ، قبل أن تكون تلك الغريزة ضرورة شرعية تنزل بها الوحي السماوي آمرا بها ، وداعيا لها ؛ حيث كان رسول الهدى قدوة في هذا المجال بسلوك مخلد عبر التأريخ يقرأه كل منصف واع .

إن الانتماء الحقيقي للبلد ونظامه ، هو أن نحافظ عليه درة مصونة ، بتنفيذ متطلباته واحتياجاته من خلال المسؤوليات المناطة بنا ، قولا للحق ، ونطقا بالحقيقة ، وسلوكا مؤدبا يرفع من شأنه وشأن أهله ، ويسمو بهم مجدا وسؤددا .

بالأمس ، ، الزمان : في سحر الحادي والعشرين من شهر الله المحرم من عام ١٤٣٧ هجري ، والمكان : عاصمة الربيع ( حفر الباطن ) استيقظت على رعد يجلجل هزيما ، وبروق تتلاسب كشفا ، وغيث ينهمر غزارة ، فأصبحت المشاعر تتفيح أنسا وسعادة وجمالا ؛ حيث أدى المسلمون صلاة الاستسقاء في يوم الخميس الماضي فاستجاب الله الدعاء ، وحصل ما أرادت تلك الأكف الطاهرة المرفوعة لخالقها ، التي تسأله رحمة الماء ، غيثا للبلاد والعباد ، والحمدلله على كل قطرة نازلة وستنزل هي بعلم الله وقدرته وحكمته ؛ إذ إن الخالق سبحانه حكيم عليم في تدبيره وتصريفه ، والكون كله ومافيه تحت إرادته ومشيئته وقدرته وعلمه وحكمته .

ازداد الرعد هزيما ، والبرق تكاشفا ، والمطر انهمارا ، هنا أصبحت النفوس بين مشاعر متضادة ، فرح بما نزل وينزل من السماء ، وقلق بما سيحصل على الأرض ، حيث إن محافظتنا الغالية استوطنت وادي الباطن الشهير ، وتجملت باسمه علما عليها ، فهي ( حفر الباطن ) ، وإليه نسبت ، فحملت هذا التركيب الإضافي دلالة عليها ، ووسما خاصا بها ، منذ أن حفر آبارها الصحابي الجليل أبو موسى الأشعري – رضي الله تعالى عنه – في بطن الوادي ، الذي يعتبر من أطول الأودية في المملكة العربية السعودية – حفظها الله – ، فهو امتداد لوادي الرمة الكبير الشهير ، الذي يقوم من الحجاز ، مرورا بنجد ، وينتهي في العراق ، مارا بمحافظتنا الغالية ( حفر الباطن ) ، هنا بدأت نواة الحفر السكنية تتشكل وتتوسع في ذلك الوادي حول تلك الآبار منذ ذلك الزمن ومابعده .
أما اليوم : فالمدينة ثلثاها في الوادي ، والستر من الله والحفظ والرعاية ، فهو الستير الحافظ سبحانه ، وبما أن دورة المناخ كل عام تتكرر ، نجد أن كوارث السيول هي الأخرى متكررة أيضا خاصة في هذه المحافظة ، والسبب المقنع هو أننا أخطأنا على وادي الباطن الذي يدرك دربه ، ويعرف مسيره ، فعرقلنا مسيره وطريقه بسكننا وطرقنا وأسواقنا ومساجدنا ومقابرنا وحياتنا أجمع ، ولم نفسح له طريقه ؛ ليمر بسلام وأمان ، إننا أمام مشكلة كبيرة تنذر بكارثة أكبر إن لم نع الحقيقة ، وأصبح بعضنا يجامل بعضا على حساب المسؤولية المناطة به من ربنا أولا ، ثم من ولاة أمر وثقوا بنا ، فالبلد ثلثاه في الوادي ، يدرك ذلك واضحا من يقدم من جهة الشرق والشمال والجنوب ، لتجد أن البلد وأهلها استوطنوا الوادي مع علمهم بما نهاهم عنه رسول الحكمة والهدى والرشاد ، فقد نهاهم عن سكنى الأودية صيفا وخريفا وربيعا وشتاء ، ويكفي شؤما مخالفة رسول الهدى والحق والحقيقة محمد عليه الصلاة والسلام .

إن الجهود تبذل مشكورة ، وستبذل في كل بلد ، وفي هذا البلد خاصة من خلال دافع مسؤولية وأمانة ، لكن درهم وقاية خير من قنطار علاج ، ومهارة التخطيط باتت ضرورة تستوجب التطبيق قبل بدء الأعمال بوقت كاف في كل مشروع حكومي أو خاص ، إن المسؤولية على الجميع بمافيهم المواطنين الساكنين ، لذا فقد آن الأوان أن نواجه الناس بالحقيقة والنظام بحيث يمنع فسح البناء في الأماكن التي ستتضرر من المطر لاحقا ، فالعقول لم تخلق عبثا ، وشهادات الهندسة الممنوحة لبعضنا لابد أن يظهر نتاجها إن كانت نزيهة فاعلة ، كما أن الحل العلاجي الجذري لمشكلة سيول حفر الباطن هو إفساح الطريق للسيل بنزع ملكيات المساكن الواقعة فيه وتعويض أهلها من خلال لجان ناصحة فاعلة ذات رأي حكيم سديد ، علما بأن هناك توصية بذلك من لجنة عليا وزارية معتمدة أوصت بذلك ، فلماذا لايتم العمل بها ؟ ! ومن الذي يقف في وجه هذه التوصية ؟ ! .

إن مافعلته محافظة الزلفي في طريقها الرئيسي ، الذي يعتبر شريان المحافظة ، فنزعوا الملكيات ، ووسعوا طريقهم إلا مثال شاهد على ما أقول ،
وإلا ستصبح حفر الباطن معرضة للخطر والأخطار في كل زمن مستقبل مع كل سيل عرمرم عارم ، إننا كلنا ثقة في مسؤولينا ، وأصحاب القرار فينا ، لكن الرأي يتعاون عليه أهل البلد المصلحين الناصحين المشفقين من ذوي الاختصاص وغيرهم عبر الوسائل المتاحة ، ويتشاورن عليه ، ويتدارسون سلبياته وإيجابيته ، ثم يصدر القرار من جهة القرار ، بكل سداد وتوفيق .

وأخيرا : يحق لنا أن نشكر جميع الدوائر الحكومية التي تفاعلت مع سيول الأمس مما خفف تداعياتها ومشاكلها ، حسب إمكاناتهم المتاحة ، كل فيما يخصه ، وخاصة كل من كان وراء تعليق الدراسة ليومين متتاليين ، حفاظا على أرواح البشر ، فالمسؤولية أمانة ، والتعامل الإيجابي مع البشر أمانة أخرى ، وشكر أهل القرار واجب اجتماعي ، ومبدأ شيم ، وحضور قيم ، وعار علينا أن يتشفى بعضنا ببعض وفق دوافع حسد بغيضة ، يستغل فيها المطر النازل ليكون قدحة نار لأهداف أخرى . فكلمات النقد البناء والنقد الهادم تنبعث منها روائح يدركها ذو المعاني العميقة الدقيقة الرقيقة ، والله من وراء القصد والمقصد .


4 pings

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *