سحر تصديعة


سحر تصديعة


علي بن سعد الفريدي
علي بن سعد الفريدي
   
كاتب صحفي - مهتم باللسانيات وآدابها

إقرأ المزيد
خطوات إلى الصحراء
عمار يادار .
عيد في زمن كورونا
رحلة إلى لقاح
زمان ينجب أبطالا .
التفاصيل

الزمان فصل الربيع ، والمكان ظهرة الصفيري شمالا ، يكسو أديم الأرض خضرة مد النظر ، في أرض منبسطة ، جمالها هدؤها ، يعجبك فيها نبتها الرقروقي ، ويسحرك بارتعاشه ، حيث إن لارتعاش النبات وزهوره وقع في النفس كبير ، تحدق العين حول النبت الرقروقي ، ( الجريد ) في تسمية أخرى ؛ بحثا عن تصديعة ساحرة ، يفز القلب لرؤيتها ، ويستنطق اللسان منظرها ، ويبتسم المحيا لمشاهدتها ، وتنثني الركب حولها ، وترسم الأصابع حولها دائرة الحفر والتخطيط بأصابع الأنس والاستبشار والتحديد ؛ لإظهار تلك المكنونة من مخبئها ، فتبين حمرتها وبياضها بين نثيل التربة المتهايل قليلا ، ليتم الاستعانة بمقلاع خاص ، حيث حركة واحدة فإذا هي تتدحرج يمنة أو يسرة قائلة هأنذا ، فتتناولها اليد اليمنى فاركة لها مما تبقى من تراب ندي علق بها ، وربما شمها لاقطها بهدوء منتشيا منتعشا ، فكم من شعور لا يوصف حينها ، عندما يضعها واجدها في جرابه الموضوع على كتفه ؛ حفظا لها ، وجمعا لغيرها ، يتخطى بعدها خطوات قليلة ، وتحدق العين تحديقا وتدحيجا وملاحظة ذات تركيز عال ، وترميش مزدوج أحيانا ، والتفات رقبة يمنة ويسرة ، استكشافا لأخواتها ، إذ إن لكل فقعة أخوات غالبا ، وربما انحنى ظهر اللاقط بدون رفع من كثرة تجاور الفقع في منظر يسر الناظرين ، بل ربما حفرها واجدها وهو ينظر لأختها مبتسما ، محمدلا، شاكرا ، فالروح في سرور وحبور من جمال ماترى من رزق الله ونعمه ، وصنعه الذي أتقن كل شيء ، وخطوات المشي التي يقضيها اللاقط في تتبع تلك التصديعة الساحرة ، هي رياضة للجسم وراحة له ، وربما شفاء لبعض أدوائه وعلاته كمرض السكري مثلا ، فاجتمعت راحة الروح والجسد معا على أديم بر مخضر يتراقص بعض نبته وزهوره كأنها تحيي من يلاحظها نظرا وبصرا ، وتستنهض مشاعره أنسا وسرورا ، ليواصل بحثه بخطوات ثابتة هادئة متعرجة ، ورقبة منحنية ، ليدرك من يتأمل ويتدبر أن الأرض هي مادة خلق البشر ، وفيها رزقهم وإعادتهم ، وبها انبساطهم ومعيشتهم . ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) ، ( هو الذي خلقكم لكم من الأرض جميعا ) .
في الربيع في ذاك المكان ، يبهجك منظر انتشار البشر ، خاصة في أصيل النهار وقبيل الغروب ، حيث هو أفضل زمن لالتقاط تلك المكنونة ، فهي تزم بتصديعتها بوضوح تام لكل عين مركزة ، فتجد البشر بعوائلهم قد انتشروا على أرض الله ، يحثون الخطوات ، ويلتزمون الصمت ، ويصرون الفقع بأكياسهم الحافظة ، حيث إن لهم موعدا في رجوعهم يقصون تجربتهم اليومية ، وبعض ما رأته العين الباصرة المسرورة من جهد مخلوف مبارك في ذاك اليوم الجميل السعيد ، فالعائلة موعودة على وجبة عشاء لذيذ ، لذاذته من تعب التقاطه ، وحسن طهيه ، واجتماع ذويه ، فالراحة بعد التعب الإيجابي ، لها طعم خاص ،يستذوقها من جربها ، كيف والتجربة بدايتها أنس والتقاط وجمال ، ونهايتها سعادة واستطعام وكمال ! ، فالحواس الخمس عاشت طبيعتها مع تلك الطبيعة الربيعية الساحرة ، وتجملت بإحساسها وانتعشت ، وتذوقت كل حاسة وفق طبيعتها التي خلق الله ، كيف والذوق قد اجتمع في كل الحواس مع تلك التصديعة الساحرة ! في منهج يصمت اللسان عن تعبير بعض مكنون الذات تجاهها ؛ ليبقى بعض جمال الوصف مختبئا ، كما اختبأت تلك المكنونة تحت أديم بيتها الأرضي المتصدع الساحر ، إذ إن بعض الجمال يستشعر ولايستظهر ، كيف والتصديعة الساحرة دورنا معها استشعار واستظهار ! ، مما يعني أننا نعيش جمالا وأنسا واستبشارا في كل دور من أدوارها ، ومن كان جميلا فحتما سيرى الوجود جميلا ، فالجمال في داخل الذات يستظهره أدنى سبب ،والسعيد من تجمل بأسباب السعادة في كل مكان وزمان وحال ، ومن جمال أسباب السعادة في فصل الربيع سحر تصديعة .


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *