ضيافة أمـوات


ضيافة أمـوات


علي بن سعد الفريدي
علي بن سعد الفريدي
   
كاتب صحفي - مهتم باللسانيات وآدابها

إقرأ المزيد
خطوات إلى الصحراء
عمار يادار .
عيد في زمن كورونا
رحلة إلى لقاح
زمان ينجب أبطالا .
التفاصيل

كتب الله على الحياة الدنيوية الفناء ، فنهاية كل حي في الدنيا موت متحقق ( إنك ميت وإنهم ميتون ) ، يؤمن بذلك جميع المسلمين وغيرهم ، فالموت حق كما هي الحياة الدنيا والآخرة حق آخر

وطموح البشر في دنياهم هي الحيوية الحياتية في كل مجالاتها ، فما أرهب الموت ! عندما تذوق سكرته النفس التي حان أجلها ، وانقطع زمنها بقدر الله المكتوب ، فإذا هي شاخصة البصر من هول ماترى ، حينها تتأثر النفوس المجاورة لها من قرابة وصداقة وجوار ؛ إذ العين تدمع ، والقلب يحزن ، ورب قلب تقاطر دمعه من عين صاحبه ، كما هو الحال عند أخبار الموت والموتى غالبا .

وبما أن دين الإسلام دين تراحم وتسامح وتآلف وتعاطف ، ودين حق يدعو لمكارم الأخلاق ، هنا شرع العزاء الشرعي ؛ جبرا للخواطر ، وتسلية للمشاعر ، وحملا للنفوس على الصبر والمصابرة ، ودفعا عن الجزع والتشكي والمخاطرة ، والرضا بقضاء الله المكتوب ، وقدره المقدر ، بأفضل قول ومقال ، وأجمل حال ، عبر لسان مؤدب ، وقلب موقن ، وضمير مخلص ، أحسن الله عزاءكم ، وجبر مصابكم ، وغفر لميتكم ، لله ما أخذ ، ولله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فلتصبر ولتحتسب ، أو بأي عبارة مناسبة .

كما أن تحديد التعزية بأيام ثلاثة لم يرد فيها دليل في أرجح أقوال أهل العلم ، إن التعزية سنة مشروعة سواء كانت قبل الدفن أو بعده في أي مكان مباح كان ، لكن الناظر بحق وحقيقة في واقع أحوال العزاء اليوم يجد أن البدع تسري إلينا من حيث لانشعر، وتمارس بيننا بدون إنكار ، والشيطان منهجه مع المسلم خطوات ، فمن ذلك تجمعات عزائية يرتب لها ، على هيئة سرادق ومخيمات وصيوانات ، تعلوها عقود إنارة مضيئة ، وكراسي فخامة ، وفرش مفروشة وثيرة ، يغر منظرها الناظرين ، أهو منظر فرح ؟ أم ترح ؟!

وربما استؤجرت استراحات يكون فيها الاجتماع العزائي على حد فكرهم ، مشيرين لها بلوحات إرشادية إخبارية ، معلقة في الطرقات والميادين ، تشير لذلك المكان ، بل ومكتوبة بلون أسود غالبا ! ، وحدث ولاحرج من الوجبات المأكولة المقدمة في ذلك المكان في منهجية عزائم ما أنزل الله فيها من سلطان ، في ثلاثة أيام سرى فيها العرف فيما بينهم فطبقوها والتزموها عرفا لاشرعا ، فذاك عزيمته الإفطار ، وهذاك الغداء ، وذلك العشاء ، يتزعمها من كانت الوجبة في موعده ، فيأذن لهم عليها كمثل مقام وحال الفرح تماما بتمام ! ، ولك أن تتعجب مما تسمع من حديثهم على الطعام من بيع وشراء ومدح وثناء ، وشتم وهجاء ، وحديث في أمور الدنيا الفانية ، بل تندهش من كلام ينطق بعد الوجبات عندما يقومون من ضيافة الأموات ، إذ ينطق بعضهم قائلا : اللهم اجبر مصابهم ، واغفر لميتهم ! ، ولسان آخر ينبس بقوله :اللهم كثر خيرهم ، فياترى أي خير يدعى له بالكثرة ؟!

أهو طعام المصائب ! ، وآخر ربما زل بعبارة ليس له فيها مقصود سوى أنه لم يتنبه للمقام قائلا : هذه الساعة المباركة التي جمعتكم ! ،

أهي ساعة موت فلان ؟ ! ياللهول ! ممانرى من تجاوزات سلوكية ، وبعد عن السنة النبوية في هذه القضية ، ولو أنهم جمعوا هذه الأموال التبذيرية ، كل فيما يخصه ، بينه وبين نفسه ، وتصدقوا بها عن ميتهم ، لكان والله أنفع للميت ، وأقرب للشرع المطهر ، ( فالميت إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاثة : صدقة جارية ، أو ولد صالح يدعو له ، أو علم ينتفع به ) كما ثبت الخبر في ذلك عن سيد البشر ، إن الجهل يأتي بالمعضلات ، وجناب العقيدة يجب أن ينافح عنه بماشرع الله في الوحيين المقدسين بحسن قول ، وحكمة فعل ،

إذ هي مسؤولية قلم ومنبر وبيت ومسجد ومدرسة ومجتمع أجمع ، فالسنة السنة يامسلمون ، بالنواجذ عضوا عليها حتى تلقوا ربكم الذي شرعها لكم في سابق زمن عتيق ، فطبقوها كما طبقها رسولكم – عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام ، بعيدا عن سلوكيات الجهلة والجاهلين ؛ إذ العلم نور ، والجهل ظلام ، والاتباع المحمدي واجب ، وربما جهل في دين الله أوقع في بدعة ، والبدع في دين الله ضلالة ، وكل ضلالة في النار .


5 pings

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *