دابة تحترق في ساعة سحر


دابة تحترق في ساعة سحر


علي بن سعد الفريدي
علي بن سعد الفريدي
   
كاتب صحفي - مهتم باللسانيات وآدابها

إقرأ المزيد
خطوات إلى الصحراء
عمار يادار .
عيد في زمن كورونا
رحلة إلى لقاح
زمان ينجب أبطالا .
التفاصيل

.

الساعة الرابعة ودقائق في وقت سحر يدق جرسان ، جرس جوال محمول في جيب ثوب ، وجرس معلق على جدار داخل بيت ، الساعة متأخرة ، إذ الليل قد أرخى سدوله ، واشتدت حلكته ، يصحو بعض أفراد الأسرة ،مندهشين منزعجين بشدة ! ، مالأمر ؟ وقتها كانت الاستجابة للجهاز القريب ( الجوال ) إذ انطلقت اليد اليمنى تتلمس الجهاز من خلال صوت رنين ؛ فإذ بصديق المهنة ، ورفيق الدرب ، وصاحب اللباقة ، يطلب المقابلة عند بوابة البيت الخارجية ! ، تستكمل الألبسة الشتوية لباسا ، وتخطو الأرجل مثناة ، الخطوة بخطوتين ، ويفتح الباب ، فإذ بصلاء النار قد عم المكان ، وربما شوهدت بعض ألسنة لهب تعلو تلك الدابة الجمادية المكلومة ، وإذ بالجهات المسؤولة مشكورة مباشرة للحدث ، بسياراتها ، وكاميراتها ، وأفرادها ، حينها بدأ التأمل والتذكر وطول التفكير . إنها مصيبة ، لكن المصائب لايطفئ لهيبها إلا ذكر الله تطمينا ، إذ يجعل وهجها رمادا تذروه الرئة زفيرا ، يشتد اللسان ذكرا بحوقلة وحمدلة وبسملة ، والأذن سماعا من الزملاء الأوفياء والجيران الفضلاء بنطق لسان حكيم ، وربما استماعا وجها لوجه بكلام لذيذ يثري عافية وصحة واطمئنانا ، فكم من جملة أثرت المكان تكرارا ، ( بالحديد ، ولابالعبيد ) قولهم ينطق من سلامة نية ، ونظافة قلب ، وتثبيت لصاحب دابة يحترق بعض ماله أمامه ويترمد ، مطالبين بأن يعيش منهجية الصبر في حياته ، فهو المدرسة الكبرى ، ومهارة الحياة الأكبر ، حينها أدركت سببية ذكره في القرآن الكريم تسعين مرة ، لتدرك النفوس البشرية حقيقة الدنيا ماثلة أمامها ، بأنها دار البلاء والابتلاء ، فالمصائب تتدرج خطورة ، ويتنوع زمانها بكل صورة ، والعقل الحكيم الرزين ينظر إلى بصيص نور الأمل في زوايا الظلمة ، فلايأس مع الحياة ، ولاحياة بيأس ، وإنما منهجها الصحيح ، شكر على نعمة ، وصبر على ابتلاء ، والصبر الحياتي يكون بأنواع الصبر الثلاثة .

.

ينتهي الحدث ، ويسفر الفلاح ( الفجر ) وتطوى صفحة ابتلاء وقعت ، ظهرت فيها أخلاق الرجال ومعادنهم النادرة طيبا ورجولة ، فهذا متصل ، وهذا حاضر بهشاشته منفعل ، وذاك ملق مفتاح سيارته إهداء ، وذاك محول بعض ماله عطاء . إنها شيم الرجال وقيمهم التي تجذرت من سنين خلت . وأثبتتها ساعة حضرت في زمن ليلي متأخر ، ولا عيب ولا غرابة أن يختار الإنسان رفاق حياته بعناية ، و أصدقاء دربه بمعايير خاصة ، فللزمان الطويل بشر صداقتهم عافية ، وقرابتهم منك لذاذة ، واهتمامهم بك حظوظية ، ومخالطتهم طيب نصيب .
.

.

همسة : يذهب المال ، وتموت الرجال ، والدنيا نهايتها إلى زوال ، لكن مبادئ الرجولة لاتموت .


5 pings

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *