خطوات إلى الصحراء


خطوات إلى الصحراء


علي بن سعد الفريدي
علي بن سعد الفريدي
   
كاتب صحفي - مهتم باللسانيات وآدابها

إقرأ المزيد
خطوات إلى الصحراء
عمار يادار .
عيد في زمن كورونا
رحلة إلى لقاح
زمان ينجب أبطالا .
التفاصيل

.

خلق الله الإنسان ، وآنسه بمانزل من السماء ، وأمره أن يسير في الأرض متأملا ، ويمشي في مناكبها ويأكل من رزقه شاكرا متحمدلا ، كما أنه من إرادته سبحانه عمارة الأرض بمايرضي الله أولا ، وبما يسر نظر الإنسان ونظرته في صوابية نهج ومنهج ، إلا أن القرب من الطبيعة قرب من الفطرة ، فكونية الإنسان الجسدية والروحية تجد الأنس والسرور في الطبيعة زمانا ومكانا وإنسانا .

.
ومن عجيب خلق الإنسان أنه يتكيف مع الإنسان والمكان والزمان في لحظات ؛ لحكمة أرادها الله ، ولك أن تتخيل حال البشر عند برودة الجو في الليالي الشاتية ، وكيف تؤثر قشعريرة البرد ببعث ابتسامة لذيذة تظهر في وجوه مضئية محمرة مسمرة تبادل الطبيعة الأنس والسرور والتأثر وجها لوجه ، بل وتستدعي أن يتهيأ الإنسان للزمان والمكان ببعض لباسه ومعداته وأدواته التي تحفظ له الدفء والأنس والسرور معا .

.
في هذه الأيام لك أن تدحج بصرك على سلوك الناس من حولك إذ تجد البشر تهاجر للبراري والمعيشة الصحرواية ولو لساعات محدودة ، باحثين عن اعتدال روحي ، وتفريغ شحنات سلبية مكتسبة من مدينة وتمدن ، فتختار المكان الربيعي المناسب ، وتنصب الخيام المؤنسة ، وبيوت الشعر المهيبة ، في جو أرضي وسماوي يحكي جمالا أخاذا يقع النظر حينها في حرج ، أينظر إلى جو سماوي زرقاوي سوداوي ؟ ! من سحب عما قليل سيدوي رعدها وتتلاسب بروقها ، أم ينظر إلى فراش أخضر امتد على أديم الأرض ، يرد للروح لهفتها ، ويروي مشاعر عطشها ، ويجعلها تخطو في جسد عدة خطوات صحراويات ، ناطقة بحمد الله وتسبيحه وتمجيده، مستحضرة بعض آياته القرآنية ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) .

.
إن من أطلق البصر تأملا في الأيام الشاتية يجد أن للشتاء سببية تأثير على الإنسان في لباسه ومأكولاته ومشروباته بل وشعوره ومشاعره وجسده كله ، فثمت أمور يدركها الإنسان ببصره وبصيرته ، ويقربها بحثا عن دفء جسد ، وأنس مشاعر ، وسرور روح في منهجية تبادلية تكاملية في حياة تدبيرها بيد خالقها سبحانه .

.
كما أن من سلوك الإنسان الفطري في البراري أنه لايمكن اعتبار رحلته كاملة في أنسها ولذاذتها ، مالم يوقد النار ، ويزيد من حطبها ، لتصبح مشعومة لها صلاء ، يعجبك تلهبها وألسنة اشتعالها ، ويتلذذ بقهوته البرية المجهزة على جميرات جذبت من تلك النار ، ليتذوق قهوة دلته بمنهجية هادئة ، ممتدحا فنجالها ، تشجيعا لنفسه ، ودعاية لمن حوله في أخذ وضعية الاستعداد لتناول قهوة الصحراء اللذيذة المختلفة عن قهوة المدينة شكلا وهيأة وطعما . فيتناولون فنجالها بعد أن سبقوه بتناول تميرات نارية اللون ، ومسمرة ، ومحمرة في آنية آخرى ، ليأتي فنجال القهوة تلك، مزيلا الكآبة والكسل ، وباعثا على تدفق الروح سعادة وإسعادا ، ثم تناول شاي الجمر الصحراوي الذي يجعلك تدرك حقا في عدم لوم الشعراء الأولين الذين تغنوا به ممتدحينه بكل مشاعرهم وشعورهم وتصويرهم الفكري الآخاذ .

.

وفي ذلك يقول الشاعر : عبدالله بن عقيل :

.
ما أحسن الشاي إذ فاحت لويزته
كذاك نعناعه والعنبر اللدن

فيه الفوائد من تهضـيم مأكلنا
كـذاك قـلب شجي ناله وسن

.

وكما قال الآخر :

.
لم يدر ما لذة الدنيا وبهجتها
من لم يكن من كؤوس الشاي قد شربا
فهي المريحة للأحزان قاطبة
ناهيك إذ لونها قد شاكل الذهبا

.

في أيام الشتاء في الصحراء غالبا يحلو الحداء ، واجتذاب ماضوية الأخبار ، وطرائف أدبها ، بخلاف أيام المدن التي تهتم بأخبار مستقبل الحياة ، وتلمس جديدها ، في كل مجال ، وربما زاد من قلق نفوس ليس هذا مزاجها واهتمامها .

.

إن القرب من الطبيعة أنس حياة ، ولذاذة عيش ، وتجدد حياة ، ولكل إنسان مزاجية هوى ، وذوقية نهج ومنهج ، لكن الجسد إذا ترفه كثيرا تعقدت الروح ، وهذا مشاهد محسوس .

.

إن بين الإنسان والمكان والزمان تناغما عجيبا جعله الله في وضعية يدركها الإنسان ويعطيها اهتماما ، ويشكر ربه على صنعه ، وإتقانه ومعونته ، وهدايته .
إن للتمدن ضريبته ، وللتبدوي ضريبته ، ولكل مسؤولية ، تتطلب أدبا وقيما وشيما .
.

فلا يعني أن خروجنا إلى البراري والصحاري هو أن نعيش بمنهجية تمردية سلوكية مؤذية ، لا ، بل لابد من مراعاة حقوق ربنا الخالق الديان ، ومراعاة لحقوق الإنسان والمكان والزمان ، وهذا طعم الحياة أن تعرف مالك ، وما عليك ، وتعطي كل ذي حق حقه ، وأنت حينها نسمة شريفة يشهد لك الإنسان والمكان والزمان ، والله قبل ذلك شهيد عليم خبير بصير .


1 ping

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *