رادار بشريّ ونقطة ضوء !


رادار بشريّ ونقطة ضوء !


نُخططُ لأيامنا ويتسرّبُ الوقتُ من بينِ أيدينا وتبقى تلكَ الرّغبةُ عالِقةً في القلبِ على أملِ أن نجدَ في الغدِ وقتاً أفضلَ ؛ حتى تتراكمَ تلكَ الخُططُ اليوميةُ ويُلازمُنا الشعورُ بالتقصيرِ وقلّةِ الوقتِ .. كلّ هذا أمرٌ طبيعيٌّ لدى غالبيةِ مَن يحرصُونَ على استثمارِ أوقاتِهم ويتعرّضونَ لعوائِقَ اجتماعيةٍ أو أسريّةٍ تقتطِعُ الجزءَ الأكبرَ من حياتنا .

.
لكنْ ما لا أفهمُهُ كيفَ يجدُ البعضُ من الناسِ وقتاً فائضاً منْ يومِهم حتى يُشغِلوهُ بتتبُّعِ حياةِ الآخرينَ والترصُّدِ لهُم بوَسائِلِ المُراقَبةِ المُختلفةِ ، ففي الزمنِ القريبِ باتتْ مُراقبةُ الشارعِ والشبكات في مرحلةٍ أكثرَ تطوّراً من مُراقبةِ الحساباتِ الشخصيةِ والبحث في ثناياها عمّا يرَوْنهُ سَقطةً أخلاقيّةً أو أسريّةً ؛ فينبرُونَ بكلّ بسَالةٍ لامتِثالِ دوْرِ المُصلحِ الاجتماعيّ ؛ فلا يلوُونَ على طريقةٍ صحيحةٍ – في ظنّهم – إلا سلكوها في سبيلِ تقويمِ الاعْوِجاجِ الوارِدِ منْ صاحِبٍ أو قريبٍ أو حتى جارٍ في آخرِ الشارع !

.
وإنْ كانَ الضبْطُ الاجتماعيُّ موجودٌ في أغلبِ المُجتمعاتِ – وفي مُجتمعنا العربيّ والخليجيّ أكثر تواجُداً – فلسْتُ ضدّه بل أحترمُ قوانينَ المُجتمعِ وخُطوطِهِ الحمراء ؛ إلا أنّ الرّقابةَ الفرديّةَ وإعطاءَ الحقّ في تتبّعِ الآخرينَ والتدخّلِ في أمورِهم – باعتبارِهم مِنْ مَعارفهم أو أصدقاء معارفهم – أمرٌ صعبٌ جداً ، واعتداءٌ على الحريّةِ الفرديّةِ !

.
ولنْ تُفاجأ حينما تجدُ أحدَهم يُعلّقُ على تغريدَتِكَ بقوله : هذا وأنت ولد فلان تفعل كذا وتؤيّد كذا ! أو تجدُ تلك الصاحِبةَ الوَفيّةَ وهي تقتربُ من صديقتِها مُشاركةً لها بالسرِّ الخطيرِ عن وُجودِ مُتابعاتٍ لزوْجِها على حِسابهِ الفُلانيّ !!

.
وتستمرُّ المُراقباتُ والراداراتُ البشريةُ في تتبُّعِها لحياتِنا والتلصُّص على كلّ ما يُمكِنُ الوُصول إليه ، وعند مناقشةِ أصحابنا المُتطفّلينَ علَناً – لنصلُ معهم لحلٍّ يُرضي النَّهَمَ الغريبَ في صدُورهم ويُريحُنا منْ تواجُدِهم بحَياتِنا – سنُصدمُ باعترافِهم : أنّهم لايريدونَ إلا الخيرَ ، وأنّ هذه المراقبةَ الموجهة واجبٌ يفيضُ من المَعزّةِ وتفرضهُ المَحبّة ! وأمام تلك الحجةِ القويةِ لنْ تصمدَ أسلحتُكَ الكلاميّةُ ، ولن تُنقِذكَ حُجَجُكَ المنطقيةُ ؛ لأنّ كلّ هذا ينبعُ من الحُبّ لكَ ، وعليكَ أنْ تتقبّلهُ بكلّ أريحيّةٍ وتمضِي في طريقِكَ ؛ فلا ضرر ولا ضِرار !

.
وتبقى الفاصِلةُ النهائيةُ لكلّ المُحبّينَ المُتدخلينَ في حياتِنا الواقعيةِ والافتراضيّةِ : شكراً ؛ لأننا كنّا نقطةَ ضوْءٍ نلنا بها استحقاق أنْ تقفوا وتفيضُوا علينا منْ وقتِكم ؛ فالاقتباسُ من ذلكَ النورِ ؛ يزيدُنا ثباتاً وابتسامةً لكم .. وكلّ يومٍ لكُم من وقتِكم ضوْء !


1 ping

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *